دلني على السوق يرحمك الله
و أنا أتأمل حال واقعنا المعاش، الذي كساه كثير من الضباب، مشكلات معقدة، و مشكل مركبة، أراها مشكلات تتراوح مكانها، مشاكل تبحث لها عن حلول، رغم وجود مراكز الأبحاث و الدراسات إلا إنها ظلت عاجزة أن تقدم الحلول الواقعية، تخفف بها معاناة الكثيرين ، و لعل أبرز هذه المشكلات و أعقدها و أصعبها ؛ مشكلة البطالة التي توصف أنها أم المشكلات .
لعل أدق وصف لمشكلة البطالة استخلصته من مفهوم قدمه الإمام الدكتور محمد الغزالي رحمه تعرض له في كتابه المعنون (الإسلام و الطاقات المعطلة )
اقتطفت من روضه هذه الكلمات القليلة البليغة في دلالاتها يقول في وصفها:
(في أحضان البطالة تولد ألاف الرذائل، وتختمر جراثيم التلاشي والفناء. إذا كان العمل رسالة الأحياء فإن العاطلين موتى. وإذا كانت دنيانا هذهِ غِراسًا لحياة أكبر تعقُبها، فإن الفارغين أحري الناس أن يُحشروا مُفْلسين لا حصاد لهم إلا البوار والخسران)
تعد البطالة مشكلة مرضية تتولد من خلالها الكثير من المشكلات ، سواء تعلقت الجانب الاجتماعي أو الاقتصادية أو النفسية ، حين تغلق أبواب سوق العمل في الشخص القادر على العمل ، و تخص فئة الشباب على وجه أخص ، فالشيوخ من كبار السن ، لا يمكن تصنيفهم في زمرة الباطلين ، فحقهم واجب التكفل الاجتماعي و رعاية حقوقهم كاملة ، فحقهم يحفظه البعد الإنساني .
و تظهر مشكلة البطالة واضحة جلية في وقاعنا المعاش، تحصيهم قوائم الباحثين عن العمل في وكالات التشغيل أو الكم الهائل الغير مسجل ضمن قوائم طالبي العمل، و الحقيقة أن هذه الظاهرة آثارها تهز كيان المجتمع.
لا يختلف اثنان أن أسباب البطالة كثيرة و متداخلة، يشترك في أسباب الكثير من العوامل نذكر منها:
عجز الدولة عن صناعة التنمية المستدامة
نظام تربوي بسط آثاره السلبية في التربية و صياغة سلوك المتربي.
دور التنشئة الأسرية الخاطئة
تأثير الفساد الاجتماعي صرف الشباب عن العمل المنتج
سأحاول في مقالي تسليط الضوء على بعض الإشارات التربوية في الإسلام و كيف يربي أتباعه على العطاء و الكسب ، أعرضها في إيجاز لنرى كيف صاغ الانسان الصالح القادر على الكسب و العطاء .
العمل عبادة :
قال الله تعالى : {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الجمعة: 10]، وقال تعالى: {وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا} [النبأ: 11]، وقال سبحانه وتعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} [الملك: 15].
العمل جهاد في سبيل الله :
جاء في الحديث النبوي الشريف ( رأى بعض الصحابة شابًّا قويًّا يُسرِع إلى عمله، فقالوا: لو كان هذا في سبيل الله، فردَّ عليهم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «لا تقولوا هذا؛ فإنَّه إنْ كان خرَج يسعى على ولده صِغارًا فهو في سبيل الله، وإنْ كان خرج يسعى على أبوَيْن شيخَيْن كبيرَيْن فهو في سبيل الله، وإنْ كان خرج يسعى على نفسه يعفُّها فهو في سبيل الله، وإنْ كان خرج رياءً ومفاخرة فهو في سبيل الشيطان» (صحيح الجامع للألباني، برقم: 1428)
العمل وسيلة للأمن الاجتماعي :
الحديث الصحيح: (من سره أن يبسط له في رزقه أو يُنسأ له في أثره فليصل رحمه» (البخاري، برقم: 2067، ومسلم، برقم: 2557)
العمل وسيلة لحفظ الكرامة الإنسانية :
لما قدِم عبدُ الرحمنِ بنُ عوفٍ المدينةَ آخَى النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ بينَه وبينَ سعدِ بنِ الربيعِ ، فقال له : هلُمَّ أقاسِمُك مالي نصفينِ ، ولي امرأتانِ فأطلِّقُ إحداهما ، فإذا انقضت عدتُها فتزوَّجْها ، فقال : بارك اللهُ لك في أهلِك ومالِك ، دلُّوني على السوقِ ، فدلُّوه على السوقِ ، فما رجع يومئذٍ إلا ومعه شيءٌ من أقِطٍّ وسمنٍ قد استفضله ، فرآه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ بعد ذلك وعليه وضَرُ صفرةٍ ، فقال : مهيمُ ، فقال : تزوجتُ امرأةً من الأنصارِ ، قال : فما أصدقتَها ؟ قال : نواةٌ
الراوي : أنس بن مالك | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الترمذي | الصفحة أو الرقم : 1933 | خلاصة حكم المحدث : صحيح | التخريج : أخرجه البخاري (2049)، ومسلم (1427)، والترمذي (1933) واللفظ له، والنسائي (3388)، وأحمد (12976)
عن نفسي أفضل أن أبذل وسعي في طلب الرزق،و أن أطرق أبوابه ، خيرا ، أقف في العتبات أنتظر منة الغير ، علي أن أدرب نفسي أن تأكل من عرق الجبين ، و من كسر الحجر و أو جمع الحطب خير لي أن أمد يدي أذلها لإنسان فيقول لي الكلام الذي يجرح كرامتي : اذهب واعمل ، أنت بمقدورك كسب رزقك ، أنت تستطيع أن تعمل، أو يقول لي : لم تمد يدك إلى الخلق تذل نفسك ، ورزقك و كسبك الذي كتبه الله لك سبحانه ، ميسر لك في السير في المناكب.
وسوم: العدد 973