هل هناك دور لايران في ثورات الربيع العربي؟

هل هناك دور لايران في ثورات الربيع العربي؟

طريف يوسف آغا

[email protected]

لست هنا في هذا المقال بوارد وضع (نظرية مؤامرة) جديدة بقدر ماأني أحاول عرض النتائج التي أسفرت عنها ثورات الربيع العربي على الارض ومن استفاد منها ليس إلا. فإذا نظرنا إلى نتائج تلك الثورات، وخاصة المصرية واليمنية والسورية، من حيث الجهة الاقليمية التي استفادت منها أكثر من غيرها (بالاضافة لاسرائيل طبعاً)، فلن نجد سوى إيران. وإذا تم ربط ذلك بما حدث خلال العقود الأخيرة، وكيف تحول كل من لبنان والعراق إلى محميتين إيرانيتين، فلا يسعنا إلى أن نسأل أنفسنا: هل هذا صدفة أم أن هناك مخططاً يتم تنفيذه على الأرض بالتدريج وبصمت؟

طبعاً من البديهي تفسير الأمور بنتائجها وليس بظاهرها أو تفاصيلها، ولهذا سأمر على تلك الثورات والأحداث لنرى كيف صبت في النهاية في مصلحة إيران أكثر من غيرها.

المصرية: كان نظام مبارك، بالرغم من فساده على كافة المستويات، كان يشكل حلفاً إقليمياً قوياً مع المملكة السعودية ودول الجزيرة العربية والعراق في عهد صدام حسين في مواجهة المد الشيعي الذي تجاهر به حكومة طهران منذ وصول الملالي إلى السلطة عام 1979. تم حينها قطع العلاقات بين البلدين على خلفية استضافة السادات لشاه إيران المخلوع، وبالتالي فسقوط مبارك قبل عامين كان يعني بالنسبة لايران سقوط أحد ألد أعدائها الواقفين مع السعودية في وجه امتداد النفوذ الشيعي. ولهذا رأينا كيف رحبت بانتصار الثورة المصرية وتم تبادل الزيارات الودية سريعاً بين نجاد ومرسي، وإعادة فتح السفارات ووعود إيران بمساعدات إقتصادية هائلة لمصر، بعد أن امتنعت السعودية وحلفائها عن دعم الأخير لخلافات قديمة مع الاخوان المسلمين. كل هذا وسط دهشة العالمين العربي والاسلامي الذي لم يكن يتوقع هكذا سياسة من الاخوان والجميع يعرف أهداف إيران التوسعية المعلنة والمخفية. انقلاب السيسي، وأنا كنت وماأزال ضده كونه إنقلاباً عسكرياً وارتكب مجزرة لاتغتفر في رابعة والنهضة، إلا أنه أعاد مصر (كما يبدو على الأقل) إلى الحلف السعودي الاقليمي ضد إيران وحلفائها.

اليمنية: كذلك كان نظام صالح، وبالرغم من فساده، لاعباً قوياً ضمن هذا الحلف السني الذي تقوده السعودية ومصر في وجه المد الشيعي الايراني. وكلنا رأينا كيف شن هذا النظام حرباً لاهوادة فيها قبل نشوب الثورة بقليل على ميليشيات الحوثيين الشيعية المسلحة المدعومة من إيران والتي تعمل على نشر الفوضى وتشييع البلاد أو الانفصال بالشمال في مرحلة لاحقة. ورأينا كيف تدخلت السعودية حينها عسكرياً لمساعدة حكومة اليمن في حربها لإخماد ذلك التمرد لأنها تعرف أن إيران تستهدفهما معاً وأنها ستكون التالية، خاصة وأن هناك الكثير من السعوديين الشيعة الذين يسكنون في المناطق الشرقية من المملكة ويتعاطفون مع إيران. إذاً فرحيل صالح، بالرغم من أنه أفرح الشعب اليمني، إلا أنه أفرح أيضاً حكام طهران لأنهم تخلصوا من عدو لدود آخر لهم، ونرى الحوثيين اليوم وقد عادوا لشن هجمات مسلحة ضد الجيش والقبائل في الشمال في محاولة لتوسيع نفوذهم. وتجدر الاشارة هنا أيضاً إلى دفع إيران لشيعة البحرين في بداية الثورات العربية لمحاولة قلب نظام الحكم السني، فسارعت السعودية وتدخلت عسكرياً هناك أيضاً لافشالها.

السورية: قد يسأل البعض كيف استفادت إيران من الثورة في سورية وهي التي نشبت ضد النظام العربي الوحيد الحليف لها في المنطقة؟ كلنا نعرف أن الأسد الأب كان متحالفاً مع إيران، ولكنه أيضاً كان حذراً في هذا التحالف بحيث لم يفتح لها الباب على مصراعيه، لأنه كان يعرف أن هذا التحالف إنما أشبه بزواج المتعة أو المصلحة المؤقت كون الشيعة هم الأكثر عداءاً وكراهيةً للعلويين من أي شعب آخر، وأنهم لو وقعوا بيد الملالي فلن يرحموهم. ثم أتى (الموت اللغز) لباسل الأسد في حادث سيارة عام 1994 ليزيحه من لائحة (المرشح للرئاسة) ويضع بدلاً منه بشار الذي لم يكن يعرف حتى ماهي (السياسة) ليعرف ماهو (بعد النظر). وهذا بدوره صب في مصلحة إيران وحقق لها أحلامها بفتح أبواب سورية على مصراعيها ودون أي قيد أو شرط، وهو بالتالي مايدعو للسؤال فيما إذا كان لها يد في حادثة السيارة إياها. نعم كانت إيران قبل الثورة السورية تتمتع بنفوذ إقتصادي واجتماعي وتشييعي، وبالتالي سياسي، ولكنها الآن وبعد أسلمة الثورة، صار لها نفوذ عسكري على الأرض متمثل بحرسها الثوري ومقاتلي حزب الله اللبناني والميليشيات العراقية واليمنية وغيرها. وهذا مادفع أحد ملاليها ليعلن مؤخراً أن سورية هي المحافظة الايرانية الخامسة والثلاثين. هذا التصريح وغيره وضع (رئيس المقاومة والممانعة) مع (جيشه الوطني العقائدي) مع (طائفته الكريمة) كلهم في خدمة الولي الفقيه في طهران. أما الاتفاق الايراني النووي الأخير مع الغرب فانما يشير إلى اعتراف هذا الغرب باحتلال إيران لسورية، تماماً كما سبق واعترف باحتلالها للبنان بواسطة حزب الله من خلال اتفاق الطائف واعترافه باحتلالها للعراق بعد الانسحاب الأمريكي. ولابد من الاشارة هنا إلى أن إجبار أمريكا للأسد الابن على سحب جيشه من لبنان عام 2005 أتى أيضاً لمصلحة إيران، فبعد أن كان القرار السياسي هناك سورياً- إيرانياً مشتركاً، أصبح بعد ذلك الانسحاب قراراً إيرانياً صرفاً.

ليس هناك حتى الآن مايثبت أي دور إيراني في إطلاق ثورات الربيع العربي، إلا أنها كانت أكبر المستفيدين من نتائجها، كما ويبدو أن الغربيين ومعهم الإسرائيليين والروس راضين على توسع النفوذ الايراني على حساب العرب. السؤال هنا هل سينجح الحلف السعودي- المصري ومن معه في إيقاف المد الشيعي الذي يسير باتجاههم أيضاً؟ أعتقد أن انتصار هذا الحلف سيكون صعباً من دون أن يضم إليه الدولة السنية الاقليمية الأقوى في المنطقة: تركيا، وإذا لم تحل دول هذا الحلف خلافاتها السياسية مع تركيا، فسنرى علم الدولة الصفوية يرفرف قريباً فوق قصور الحكم فيها.