وفي شهر رمضان المبارك
أيامه مشرقةٌ بأنوار الرحمة الإلهية ، وبالأمل الغامر بغفران الذنوب ، فقلوبُ المسلمين الصائمين تغشاهانسائمُ الهداية : ( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان ) . إنه شهر مبارك يزخرُ بنعم كثيرة جعلها الله لهذه الأمة ، ففي لياليه العامرات بالذكر وتلاوة القرآن الكريم ، وببذل الطعام والماء ، وبالصدقات التي تعود على أصحابها بالثواب السابغِ ، والخيرِ الوريفِ ، وبالمنح الإلهية العظيمة التي جعلها الله لأهل الصوم ، في الدنيا والآخرة .
ويشعر الصائم بأن شيئا ما يلامس مشاعره في ظلال هذا الشهر ، وفي حالة من الأُنس لم تكن في غيره من شهور العام ، فتتجددُ الهممُ ، وتتحفَّزُ العزائمُ لتتابعَ مسيرة التوبة ، وهو يستثمر ساعات النهار والليل في أنواع الطاعات والقربات . ويتوخى أن لاتطغى عليه الأعباءُ الجسيمةً ، والمكابدةُ القاسيةً ، لظروف الحياة التي يعيشها أبناء المجتمع المسلم
فلقد حباه اللهُ تعالى بقوة الإيمان واليقين ، و بالحكمة والوعيِ بطبيعة ما في الحياة من ابتلاءات ، ويعلم علم اليقين أن المؤمنين قبله نسجوا على هذا المنوال ، وعانوا في حياتهم ابتغاء مرضاة الله تبارك وتعالى ، وعلى هذه المناقب عاشوا ، وعلى طريقها ساروا ، وبمنهجها عملوا ، فنهضوا بأنفسهم ، ورسَّخوا أسباب الفوز عند الله بما يملكون من طاقة تمكنهم من الأداء الذي يرضاه ربُّهم . معتمدين في ذلك على الله جلَّ وعلا ، ثم على هممهم ، فقبلَهُم مَن سبقوهم بالإيمان شدُّوا المآزر ، وأحيوا الليل و استشعروا أهمية هذه الأيام ومكانتها عند ربهم . فهنا مكان التنافس المحمود بين الأبرار ، تغمرهم سعادة روحية ليست لغيرهم أبدا . إنه الولاء لله سبحان ، ولرسوله صلى الله عليه وسلم ، وهذا مايحمله أبناءُ الإسلام على مر العصور ، ومن تجرُّدٍ للعمل الصالح ، ومن تحمُّسٍ لإدراك الدرجات العاليات عند الله يوم لاينفع مال ولا بنون إلا مَن أتى اللهَ بقلب سليم . وتلكم هي المصداقية التي لايشوبها ريب ، ولا تطمسها لذائذ الدنيا الفانية وزخرفها الزائل . وتلك قيم ديننا الإسلامي الحنيف . فلا عجب إن رأينا جموع المسلمين يتسابقون إلى بيوت الله لأداء الصلاة ، وإلى مواطن البذل في سبيل الله ، قال الله تعالى : (سَابِقُوٓاْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍۢ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ ٱلسَّمَآءِ وَٱلْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ باللَّهِ وَرُسُلِهِۦ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ ۚ وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ ) 21/ الحديد . فطوبى لمَن يُجددُ الهممَ ، ويوقدُ جُذَى العزائمِ ، ويحافظُ على هذا النهج الرباني القويم
ويهبُ مالديه من قدراتٍ وطاقاتٍ ومواهبَ وإبداعاتٍ في سبيل الله ، ولخدمة دينه الحنيف ، لتظلَّ نفسُه في أٌفقِ السمو ، بعيدا عن سفاسف الأمور ، وعن مغريات الحضارة الفارغة ، إن مَن لايقدم لغده فهو الخاسر في الدنيا وفي الآخرة . وهكذا يبقى صرحُ إيمانك بالله عاليا شامخا ، ويبقى سعيُك محمودا عند ربك . ويُوفق المسلم الصائم بهذا السعي حتى ينزله الله منازل الصالحين ، وذلك هو فضل الله سبحانه : ذَلِكَ فَضْلُ الله يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ والله ذُو الفضل العظيم ) . ستكون فرحة المسلمِ الصائمِ القائمِ عظيمةً جدا إذا وقف بين يَدَي الله سبحانه يوم القيامة وليس عليه من ذنب ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه) رواه البخاري ومسلم . وما يعني : (غفر له ما تقدم من ذنبه ) ؟ يعني دخول الجنة ، والفوز بنعيم الآخرة . إنها الأعمال الباقيات من الدنيا الزائلة ، إنه الصلاة التي هي عماد الدين ، وهو الصوم وما له من مكانة عند الله : ( الصوم لي وأنا أجزي به ) ، وإنها الزكاة والصدقات التي يتمنى الميت لو يعود إلى الدنيا ليقدمها لمحتاجيها ، وإنه الحج رحلة العمر الروحية ، إنها الطاعات والقربات ، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان ) رواه البخاري ومسلم . وهيهات هيهات لمَن فاته هذا الفضل وهذا الجود الإلهي العظيم أن ]درك فوزا أو ينجو من عذاب . فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي، ورغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يُغفر له، ورغم أنف رجل أدرك عنده أبواه الكبر فلم يدخلاه الجنة)، رواه الترمذي
إن تلمُّسِ حاجات المسلمين المحتاجين ورصدها ، والسعي الحثيث على تلبية طلباتهم ، وتقديم الخدمات المتنوعة التي هم بحاجة إليها هي عنوانُ رؤى المسلم الصائم ، وهي الهدف الذي يسعى للوصول إليه ، لأن في ذلك سعيا محمودا ، به يسعد ويسعد غيره من عباد الله رب العالمين . فللمسلم تجارته الرابحة في هذا الموسم المبارك في ليله ونهاره ، وفي حله وترحاله . فهو مقبل على خير إن شاء الله وجادٌ في صناعة هذا الخير على قدر طاقته ، وهذا هو التفاعل الإيجابي لحركةِ العمل المثمر لإخوانه من شرائح مجتمعه المحتاجة ، تلبية منه لأوامر المولى تبارك وتعالى ، واستجابة لتوجيهات نبيِّه الكريم صلى الله عليه وسلم .
إضاءة :
أبواب المستقبل المشرق ستفتح في وجوه المسلمين المُشَمِّرِين عن سواعدهم للطاعات ، فهم الذين لايعرفون الكلل ولا التواكل . وهم التَّوَّاقون للأسمى والأفضل في كل شؤون حياتهم . ألا فَلْتحتل أوامر ربنا ونبيِّنا صلى الله عليه وسلم صدارة مايصبو إليه المجتمع المسلم الصالح ، وما ذلك على الله ببعيد .
وسوم: العدد 977