عبد الله عيسى السلامة
رجال في ذاكرتي
أدباء - علماء - دعاة
جمعتنا المهنة والأدب والتوجه الشعري لخدمة قضايا الإسلام والمسلمين ! زرته في منتداه الأدبي الذي كان يقيمه في داره العامرة بحلب ويحضره أدباء ومحبون للأدب وشداته ! ثم شاء الله أن نلتقي في منزل واحد وفي مؤسسة واحدة في مدينة عمان في أوائل الثمانينيات أكتب ويكتب و نتناوب على كتابة قصيدة كل شهر تتحدث عما يجري في سورية والعالم العربي والإسلامي !
عبد الله عيسى عربي المحتد، مسلم المعتقد ، شاعر الكلمة القوية المعبرة !وصفه الناقد حيدر غدير بأنه بحتري العصر !
كنت أتابعه قبل أن نلتقي على صفحات مجلة حضارة الإسلام الدمشقية الشهرية فيكون شعره جلاء لما قرأته من قبل من شعر وفكر وكأنني في ذلك أفعل ما كان يفعل مصطفى صادق الرافعي الذي كان يقرأ في المجلات والجرائد بمختلف الأساليب ولكنه قبل أن ينام يأتي إلى كتب الجاحظ ويقرأ صفحات تمسح ما خشي أن يكون قد علق في ذهنه!؟
عبدالله عيسى السلامة واضح في غموض بمعنى أن شعره لا يتأتى لأي قارئ إدراك معانيه ودقة تصويره :
أنا في ضمير الغيب سر خافي
كاللؤلؤ المكنون كالأصداف
تسري من العدم الرهيب إليه في
جوف الدجى رعشات نور غاف
ظفرت به ريح السموم فأنشبت
أظفارها بأديمه الشفاف
فإذا لحون الدهر نهر قصائد
وإذا زفير النازلات قوافي
ولكن شعره لا يسير كله على هذا المنوال فمنه ما يأتي غنائيا يصلح للإنشاد كما في قصيدة (وِلادة ) التي شدا بها أبو الجود فأطرب وأعجب !
إلى أنه يظل هو هو ، وفلسفته للأمور واضحة فيه :
خلّي يديّ فلست من أسراك
أنا يا حياة علوت فوق علاك
لا تضربي قيدا على حريتي
رحبٌ أنا كمدارج الأفلاك
سامٍ أنا حتى الخيال يكِلُّ عن
درْكي ويعيا العقل عن إدراك
لا تعجبي مني فإن مطامحي
في الله فوق مطامح النساك !!
ولكن الملاحظ في شعره أن شعر ه متوزع في مجموعات صغيرة وليس هناك ديوان جامع لها ( أعمال كاملة )ففي عام ١٩٧٥ صدر له ديوان ( الظل والحرور) بمقدمة ضافية للأديب عبد الله الطنطاوي الذي أشاد بدور الأدب في نشر الأفكار والمبادئ و التبشير بها عن طريق الفن : قصة ومسرحية وشعرا ، ثم صدر له ( واحة في التية ) عام ١٩٧٧ ثم (ثآليل في جبهة السامري ) عام ١٩٨٥وكانت أغلب قصائده قد نشرت في مجلة حضارة الإسلام قبل خروجه إلى عمان ولعل من أشهر قصائده القصيدة الأولى بعنوان (الشعر ) يقول فيها
الشعر ماالشعر إيضاح وتفسيرُ
أم أحرف مترفات أم دنانير ؟
الشعر ما الشعر إقناع و فلسفة
أم أكبد تتنزى أم أعاصير
أم مقلة تنزف الآلام باسمة
أم خافق يتلظى وهو مقرور
ما أعجب الشعرَ سرٌّ غامض قدر
نجوى ، نسيم ، جراحاتٌ أزاهير
سيف صقيل ، حصان مات فارسه
خميلةٌ ثرة الأفياء تَنُّور !
ويختم بعد أن يستعرض ميادين الشعر ووديانة التي يهيم بها الشعراء ليصل إلى قناعة خاصة فيقول :
الروح والكَلِم السامي إذا اعتنقا
فالشعر شعر وإلا فهو تخدير
وكان آخر ما وصلني منه مجموعة عنوانها (المعاذير ) عام ١٩٩٢فقد جاءت في تسع عشرة قصيدة ومقطوعة كل منها تحمل مرارة من نوع ما ، وبدرجة ما وليس في أي مرارة غرابة عن واقع هذه الأرض ، بل عن هذه الأمة !؟ وقصائه الممزوجة بالمرارة حتى وإن كان بعضها يتحدث عن مناسبات إلى أنها تحوم وتحوم لتضع بصماتها على الواقع المرير ، وأي واقع !؟
ويستمر الشاعر في كتابة الشعر ولكنه لا يشير إلى أنه سيكون هناك مجموع أو ديوان سيضمها ! فهل يصدق فيه ما قاله الشاعر ( ت . س .اليوت )من أن قليلا من الشعراء من يستطيع أن يظل شاعرا بعد الخامسةوالعشرين !ويعلل ذلك صلاح عبد الصبور بقوله : في هذه السن أو ما حولها تجف المصادر الذاتية للانفعال او توشك على الجفاف !؟
ولكن غلبه الكتابة النثرية لدى أديبنا على الكتابة الشعرية لم تكن من هذا الباب !وإلا فكيف فاز في مهرجان عكاظ بالجائزة الأولى عام ٢٠٠٩ عن قصيدته (التضامن العربي ) و ثمة ملحظ لافت للنظر أن الأديب قد غلب إنتاجه النثري على الشعري بدءاً من عام ١٩٨٦ وهو في الأردن مع استمرار كتابته للشعر وإلقائه في النوادي والجمعيات في الوقت الذي نجد فيه عددا ممن تغربوا أو أجبروا على الغربة تفتقت لديهم المشاعر فكتبوا عشرات القصائد وربما طبعوا بعض الدواوين !؟
أعزو هذا التغلب لدى أديبنا إلى اتساع العمل الفكري و الفكر السياسي في جو الحرية الذي أحسه به بعد هجرته واغترابه وقد سألت أستاذنا الراحل محمد الحسناوي الذي بدأ حياته شاعرا عن سبب قلة قصائده بعد ذلك ، فعزا ذلك إلى انشغاله بالعمل السياسي والفكري !؟ وينطبق هذا إلى حد كبير على أديبنا عبدالله عيسى فقد صدر له عدد من الروايات والمجموعات القصصية درست ثلاثة منها في كتابي القصص التربوي / قسم الشباب
وكان أولها رواية الثعابيني عام ١٩٨٦ وهي رواية سياسية رمزية تتحدث عن حاكم مستبد يتحكم بموارد الدولة حسب ما يحلو له حتى إنه يؤثر شراء ثعبان أعجبه بمبلغ يزيد على سد جوع مئات الآلاف من شعبه ،وهو يعيش هاجس الرعب من التآمر على شخصه وحكمه حتى من المقربين إليه، وأما رواية (الغيمة الباكية ) التي صدرت عام ١٩٩١ فكان موضوعها العام سياسياً وهو الصراع المتعدد المستويات في البادية السورية في أواخر العهد الفرنسي وهدفها التوعية السياسية من خلال توجهات الصراع وأساليبه و أسبابه
واما (سرالشارد ) التي صدرت في عام ١٩٩٩ فإن الشارد فيها ليس مجرد إنسان عادي يهرب من واقعه ؛ لأنه لا يجد فرصة للتعليم أو لايجد أحدا يربيه بل هو إنسان عصري مثقف مطلع على أنماط المدنية ، صاحب مزاج مهزوز الفكر !؟
وهي روايات طويلة تتجاوز صفحات كل منها 300 صفحة ! واستمرالكاتب في الإصدار القصصي ففي المجال الروائي متسع رحب ينقل أفكاره إلى الآخرين من خلاله !
فتوالى صدور المجموعات والروايات فكان منها (دموع ضرغام ) عام ١٩٩٩ بث في ثناياها آراءه الفكرية ونظرته إلى الحياة والأحياء ، وصدرله كذلك كتاب المهرج والحكيم في العام نفسه وهو يضم ثلاث عشرة حوارية نقدية تشبه المسرحيات القصيرة في شكلها كما تشبه المقالات في مضمونها تجمع بين الجد والهزل وتتناول موضوعات فكرية واجتماعية وسياسية وكان قد صدره له قبل ذلك عام ١٩٩٢ مجموعة (لماذا يكذب الجزار ) وهي تسلط الضوء على بعض مظاهر الفساد ومناحيه وكذلك روايتان هما آخر ما وصل إلي : الأولى ( مَن قتل الرجل الغامض )وهي رمزية إلى حدما تدور أحداثها في دولة إفريقيا السفلى وتتحدث عن لعبة العسكر والسياسة التي لا يحكمها بعدٌ واحد ، هو حب سلطة أو شهوة التسلط ، وكذلك مجموعة (بائس في فردوس الشيطان ) وهي تصور ما يلقاه الإنسان في دول لا تقيم لإنسانيته قبمة في أقبية التحقيق أو انتزاع المعلومات أو تلفيق التهم والاعتراف والإقرار بها!؟
وكلتا الروايتين أقل حجما من رواياته الأخرى!
ونختم الحديث عن الكاتب بما سطره في كتيب ( نظرات في الفكر والأدب ) وهو مجموعة مقالات تهتم بالشأن العام وتتناول جانبا من جوانبه المتعددة المتنوعة !
فأين نضع أديبنا أفي واحة الشعر أم في واحة الرواية وقد أبدع في كلتيهما!
وسوم: العدد 979