مع حِرز الفضائل
الفضائل والمآثر والقيم الأخلاقية والإنسانية عامة هي من تعاليم الدين الإسلامي الحنيف الذي ختم الله به الشرائع السماوية التي نزلت على الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام منذ أن خلق الله الإنسان ، وأوجده على الأرض ليعمرها وليقيم بتعاليم هذا الدين مايناسب فطرته وتكوينه ، ليسعد في حياته الدنيا ، ويفوز برضوان الله يوم القيامة ، حيث حياة الخلود . وجاء الدين الإسلامي وهو يحمل للخلق مآثر الإخاء والتكافل والتواد والسلام ، إضافة إلى كل مايسعد الإنسان . وهذه القيم لايستغني عنها مجتمع في أي زمان وفي أي مكان ، ففيها الخير كلُّ الخير . وفي مجافاتها الضَّنك والتَّباب والخسران . علما بأن هذه القيم والمآثر ... آثارُها باقية في المجتمع ، خالدة في حياة الناس لاتفنى ولا تزول ، فالصِّدقُ صدقٌ ، والكذبُ كذبٌ ، ولا يمكن أن يكون الصدق كذبا أو الكذب صدقا ، إلا إذا خرج الإنسان عن إنسانيته ، وتخلى عن قيمه . إن الله سبحانه خلقنا كما شاء ، وحبانا بفضله من خلال ما أنزل بالوحي من تعليمات ومواعظ وإرشادات . وإن الله عزَّ وجلَّ فضل الإنسان وأكرمه يقول سبحانه وتعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) 70 /الإسراء . فمن اتبع طريق الهدى فقد فاز وكان من زمرة المبشرين ، ومَن اتبع سبل الضلال والفساد فقد غوى وخسر وكان من طائفة المنذَرين ، يقول سبحانه وتعالى مخاطباً رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم : (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إلا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) 28/ سبأ .
وقائمة هذه المآثر تضم مايسعدُ الإنسان ، وما يقربه إلى الله ، وما يؤكد على السمو بالنفس الإنسانية ، فينأى الإنسان عن المساوئ والمنكرات والعبث الذي لايمت إلى الأخلاق بأي صلة ، وهذا العبث لايحبه الإنسان أن يقع عليه وعلى أهل بيته ولا على أرحامه ، فكيف يرضاه لغيره على جيرانه وعلى أببناء مجتمعهوفي الأثر : ( بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئاً ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا أولادكم ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم ولا تعصوا في معروف فمن وفَّى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئاً ثم ستره الله فهو إلى الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه)قال الراوي : فبايعناه على ذلك أو كما ورد عن نبيِّنا صلى الله عليه وسلم . والمتمعن في أركان الإسلام ، وفي أركان الإيمان ، يجد آثارها القيمة إيجابية فاعلة في حياة المجتمع الصالح . ولا تخفى تلك الآثار على أحد من المسلمين ، بل جذبت تلك الأركانُ بآثارها السامية وقيمها الاجتماعية العالية أولي البصائر من النصارى واليهود ، ومن أهل المذاهب الأخرى فآبوا إلى الله وإلى دين الله ، وهم كُثْرٌ ولله الحمد والمنَّةُ . وقد تبيَّن لهم الحق المبين . ويبقى الإسلامُ دينا مستجيبا لكل قيم الخير التي يسعى إليها الناس على مــرِّ العصور ، ويبقى الإنسان الذي يدين بهذا الدين ينشد ثمرات عبادته في الدنيا ، ولتقوده بعد الحشر إلى أبواب جنات الخلود ، فهو يعمل الصالحات الباقيات بلا كلل أو ملل أو تثاقل ، وكأنه يعيش أبدا ، وفي نفس الوقت يعمل لآخرته كأنه يموت غــدا . ولا يحرم المسلم نفسه من الطيبات التي أباحها له مولاه سبحانه ، ولا يتأخر عن القيام بالواجبات الدينية طلبا لمرضاة الله ، ورغبة جادة في نيل مرضاته يوم لاينفع المالُ ولا الأولاد ولا المكانة الاجتماعية ولا مافي هذه الحياة من زخرف فتَّان ، ولعله التوازن الذي يربط الدنيا بالآخرة على وعي وبصيرة ، يقول الله سبحانه وتعالى: (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) 77/القصص .
وتبقى هذه الفضائل والمآثر والقيم الأخلاقية والإنسانية عامة هي من تعاليم الدين الإسلامي الحنيف ، وقد ازدهت بساتينُها في كتاب الله الذي لايأتيه الباطل أبدا ، وأزهرت أفنانُها في ظلال السُّنَّة النبوية الشريفة ، وهي قيم عاليات ليس لها أن تنطمس أو تتغير أبدا مهما تبدلت الأحوال ، ومهما حاول أعداؤُها أن يزيلوها ، ولقد وعد الله بحفظها ، وبنُصرة أهلها ، ولا يمكن لفساد أهل الأرض في حقبة من الحقب ، أن يخفي مالهـا من زهوٍ ومكانة في قلوب الخَلْق ، ولا يمكن لقوى الشر مهما بلغت قوتها أن تطمس آثارَها المباركة ، وسيملأ لألاؤُها وجه المعمورة كما وعد الصادق صلى الله عليه وسلم في سُنَّته الطاهرة ، والله يعلم وأنتم لاتعلمون ، والله يقدر وأنتم لاتقدرون ، بيده الأمر سبحانه وتعالى . وَلْنتأمَّلْ ردَّ المولى تبارك وتعالى على استفسار ملائكته :( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَة إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْض خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِك الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ؟! قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ) 30/ البقرة . أجل إن الله يعلم مالا يعلم الخلق جميعهم .
وسوم: العدد 980