الأقصى في خطرٍ شعارٌ يفضحُ وسلاحٌ يجرحُ
نجح الفلسطينيون في كشف العديد من المؤامرات الصهيونية على المسجد الأقصى، وأماطوا اللثام عن محاولاتهم المحمومة منذ سنواتٍ طويلةٍ للدخول إليه من تحت الأرض ومن فوقها، وتصدوا بأجسادهم وأرواحهم، وإمكانياتهم البسيطة ووسائلهم المتاحة، لمحاولات المتدينين وقطعان المستوطنين وقادة أحزابهم السياسية، اقتحامه والصلاة فيه، وإقامة شعائرهم الدينية وطقوسهم التوراتية ومخططاتهم التلمودية، التي تمهد لهدم المسجد وتدميره، وبناء الهيكل المزعوم فوق أنقاضه، وقد سارعوا في السنوات الأخيرة خطواتهم، وكثفوا جهودهم، وحفروا المزيد من الأنفاق تحته، بما يهدد أساساته ويصدع جدرانه ويعجل في سقوطه، واستغلوا مختلف الظروف المحلية والإقليمية والدولية، لتحقيق أهدافهم، والوصول إلى غاياتهم.
إلا أن الفلسطينيين بمختلف توجهاتهم، ومن جميع مناطقهم، تمكنوا ولو بالكثير من التضحيات المادية والبشرية المؤلمة، من إفشال العديد من المحاولات الصهيونية، وساهموا جميعاً التزاماً بالواجب وأداءً للفريضة، كلٌ بالقدر الذي يستطيعون، وبالسلاح الذي يملكون، في الحفاظ على المسجد الأقصى، مسجداً إسلامياً، ففتحوا بالقوة بواباته، وشرعوا للمصلين والمرابطين أبوابه، وأرغموا سلطات الاحتلال على إزالة البوابات الإلكترونية، والتراجع عن كثيرٍ من الإجراءات الأمنية والإدارية التي كانت تحد من وصول المصلين إلى مسجدهم.
ونجحوا فعلاً بصبرهم وثباتهم، وتضحياتهم وعطاءاتهم، ومعاناتهم وألمهم، إلى حدٍ بعيدٍ في تسليط الأضواء على المسجد الأقصى المبارك، الذي هو آيةٌ في كتاب الله عز وجل، وجزءٌ من قرآننا العظيم، نتلوا آياته آناء الليل وأطراف النهار، ونتعبد بها الله عز وجل، ونتقرب بتلاوتها إليه جَلَّ شأنه، وأظهروا للعالم الإسلامي أن مسجدهم في خطر، وأن مسرى رسولهم محمد صلى الله عليه وسلم يتعرض للهدم، فكان المدافعون عنه شيباً وشباباً، ونساءً ورجالاً، وصبيةً وأطفالاً، لا يترددون ولا يتهيبون، ولا ينكفئون ولا يتراجعون، ووقف معهم مدافعاً ولهم مؤيداً وإلى جانبهم مقاوماً، إخوانهم المسيحيون من كل الطوائف، الذين اعتبروا أن الاعتداء على المسجد الأقصى إنما هو اعتداءٌ على كنائسهم ودور عبادتهم.
ما زال الفلسطينيون بكل انتماءاتهم يعتبرون القدس والمسجد الأقصى عنوان شرفهم، وذروة سنام جهادهم، وأسمى أهداف مقاومتهم، تهون دونه المهج، وتبذل في سبيله الأرواح، وتجود من أجله الدماء، فأسقطوا بمواقفهم الصلبة، وثباتهم العنيد، وتضحياتهم الكثيرة، كل أماني الكيان الصهيوني وأحلامه، وأجبروه بالأرواح الطاهرة والدماء الزكية، التي قدمت بسخاءٍ وبلا حدود، على الاعتراف باستحالة تحقيق أهدافه، وصعوبة تمرير مشاريعه، وأكرهته على مراجعة حساباته، والتفكير ملياً قبل الموافقة على مشاريع المستوطنين وأحلام المتدينين، وغدا سكان الكيان يلعنون مستوطنيهم، ويصبون جام غضبهم على متطرفيهم، ويحملونهم المسؤولية عن التوتر الذي ساد مناطقهم، والدماء التي سالت في شوارعهم، والرعب الذي عم بينهم وسيطر عليهم.
يعترف المحللون والباحثون، والكثير من الخبراء والمسؤولين الأمنيين الإسرائيليين، ومعهم قادة أركان جيشهم وكبار ضباطه، أن الفلسطينيين قد نجحوا في معركة القدس، وجعلوا منها ومن المسجد الأقصى معركة العرب والمسلمين عامةً، وحَمَّلَت شعوبهم المسؤولية في الدفاع عن بيت المقدس وأقصاه الشريف، وأضعفت في الوقت الذي ظن فيه الإسرائيليون أنهم أصبحوا أقوى، الأنظمة والحكومات العربية والإسلامية، التي وجدت نفسها ضعيفة أمام حراك شعوبهم من أجل القدس ودفاعاً عن المسجد الأقصى، وحارت كيف تفسر لهم علاقاتها بالكيان الصهيوني، واعترافها بهم وتطبيعها معهم، وبدت أمامهم صاغرةً ذليلة، ومتآمرة شريكة، مما اضطرها إلى مسايرة الشارع، والتنديد بالممارسات والسياسات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين عامةً وتجاه القدس والمسجد الأقصى خاصةً.
ويعترف عامة الإسرائيليين أن الفلسطينيين قد نجحوا إلى درجةٍ كبيرةٍ في توريط كيانهم، وإضعاف حكومتهم، وتعرية سياساتهم، خاصةً بعد معركة سيف القدس الأخيرة، التي وحدت الفلسطينيين وجمعت كلمتهم، ونسقت جهودهم وعممت حراكهم، وربطت مناطقهم، وحرمت الاستفراد ببعضهم، فلم يعد من السهل على حكومة الكيان ضبط الشارع، ومنع انتشار الأحداث، والحيلولة دون وقوع المزيد من العمليات، ولعل كثيراً منهم يرى أن التطبيع مع بعض الأنظمة العربية علامةُ شؤمٍ وفألُ نحسٍ، وأن هذه الدول أصبحت أضعف من أن تتقارب مع كيانهم، وأبعد من أن تتعاون معه وتتفق وإياه على سياساتٍ مشتركةٍ تخدم أهدافهم.
إنها القدس المدينة العربية الفلسطينية العظيمة، الخالدة بمسجدها الأقصى المبارك، الذي بارك الله فيه وحوله، وشرَّف ساكنيه وكرَّم معمريه، وجعل المرابطين فيه خير الخلق وأشرف الأمم، إنها عروس المدائن وسيدة العواصم، عنوان العزة ودليل الشرف، التي تهوي إليها قلوب الملايين من العرب والمسلمين، ويتطلعون إلى تحريرها واستعادتها، فطوبى لمن سكنها، وهنيئاً لمن دافع عنها وضحى في سبيلها، والخزي والعار لكل من فرط فيها وتنازل عنها، وويلٌ لمن تخاذل وسكت، أو تراجع وضعف، فكما تكتب القدس في سجلاتها الخالدة، بحروفٍ من نور أسماء محرريها والمدافعين عنها، فإنها تفضح على الملأ المقصرين، وتكتب نهايةً مخزيةً لكل المتآمرين، وتخلدهم ملعونين، وتحفظ أسماءهم ضالين.
وسوم: العدد 982