لا تضيعوا فرصة التغيير الكبيرة في سوريا

عابدة المؤيد العظم

عابدة المؤيد العظم

لم تكن النفوس والعقول -في سوريا- مستعدة للتغيير كما هي الآن، ولم يكن الذين حوصروا والذين يعيشون في المناطق المحررة وفي المخيمات، في فكر قابل للتأثر والتجدد ونبذ الأفكار البالية والمعتقدات الخاطئة أكثر مما هم الآن. سوريا في مرحلة حاسمة وفي أعلى درجة لقبول التغيير فلا تضيعوها.

الثورة جعلت الناس في حماس للتغيير، وفتحت عقولهم للتدبر والتفكر والتعمق، وإعادة ترتيب الأولوليات، وتقبل الآخر والاطلاع على ما لدى العالم من مستجدات.

السوريون الآن في حماس، وفي لحظات فاصلة وعلى مفترق الطرق، وقد لا يتكرر هذا إلا بثورة أخرى وبعد قرن آخر من الزمان؛ ويؤكد علماء النفس والتربيون بأنانتهاز أمثال هذه الفرص وسيلة عظيمة وسهلة وناجعة في التغيير الإيجابي والبناء.

المفسدون في الأرض أدركوا هذا الأمر وفهموه وسبقونا إليه، فنرى المبشرين والمتشيعين والماسون وغيرهم يتراكضون إلى هذه البيئات الخصبة، ويتغلغلون بين المنكوبين والمتضررين والمُهجَّرين ويبثون سمومهم وعقائدهم، ونحن ها هنا قاعدون، ولا أقل من أن نعجل إلى سوريا قبل أن يسبقونا إليها.

سوريا تقف على منعطف حاسم وهي في هذه الظروف الحرجة من القتل والدمار، ولا ننسى أن الغربَ يُعد لترتيب جديد ولتبديل التركيبة السكانية وتمييع النظام الحاكم؛ وعلى مثل هذه المنعطفات تكثر الآراء وتتأرجح ويتأجج الخلاف بين الخير والشر، ويظهر المنتفعون، وتسيطر الفوضى الفكرية في الانتماءات والاتجاهات والمذاهب، ويتحير الناس.

وفي هذه البيئات تولد الأفكار المبدعة التي تنهض بالأمة وتولد قرينتها الأخرى الشاذة التي تخرب وتثبط، وفي هذه الظروف يعتدل الناس وينصلحون، أو يميلون ويتطرفون ويتشدون.

الوضع حساس، والعجلة بالتوعية ضرورية، لنصلح ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً.  

وإن الموضوع كبير وأثره في النهضة عظيم ويحتاج إلى جهود منظمة بهدف تقليل الخلافات الحالية وتهيئة الشعب السوري لما بعد سقوط النظام.

وإن بعض المخلصين انتبهوا فتراهم في العمل التوعي يمضون، فيدخلون إلى سوريا وينشرون الخير، ولكن عددهم قليل، وجهودهم فردية مبعثرة. ونحن في سباق محموم.

وليس لدينا الوقت الكافي لإعداد دعاة يناسبون المرحلة، ولكن لدينا بعض الدعاة من المؤهلين والمحنكين، ويستطيعون العمل فوراً وبلا تدريب، عددهم لا يهمنا بقدر ما تهمنا أفكارهم ومذاهبهم.

وأنا لدي اقتراح بسيط وبناء، لا يكلف المال الكثير، ولا يحتاج للجهد الشاق، وأتأمل من الجميع المساهمة فيه، أو عرضه على القادرين عليه، وإقناعهم به:

تشكليل لجنة صغيرة من أكابر أساتذة الجامعات والدعاة الذين يعرفهم الناس في الداخل ويثقون بهم، بشرط أن تتوفر فيهم هذه الصفات:

1- الفكر الوسطي فلا يتشددون في الدين ولا يكثرون من التحريم والتقييد، وبالمقابل لا يتفلتون من الأخلاق والقيم ولا ينادون بالحرية المطلقة.

2- ألا يتحيزون إلى فئة من المنشقين، ولا يتحزبون إلى أي جماعة من المتعصبين.

3- لديهم قاعدة دينية، وقيم راقية، وفهم جيد للواقع على الأرض.

4- أسلوبهم سهل ومفهوم ويستطيعون إيصال المعلومة (ولا بأس أن يقتبسوا من أساليب المبشرين، ويتعلموا منهم طرق الدخول للقلوب والتأثير في العقول، ليصبح عملهم أجدى وأنفع).

والمطلوب من هؤلاء الأساتذة والدعاة:

1- أن يرشحوا من طلابهم من هم على شاكلتهم بهذه الأربع صفات.

2- أن يختاروهم ممن يقدرون على النزول إلى المناطق المحررة.

3- أن يقترحوا بعض الكتب والموضوعات، التي تهتم بما يلي: الأولويات، التوازن، الحلال البين والحرام البين، الوسطية في الآراء، وتتماشى مع فقه الواقع الحالي في الداخل (والكتب موجودة ومعروفة).

4- أن ينظموا دخول الدعاة وخروجهم، بحيث لا يتركون الناس يوماً واحداً بلا إرشاد.

5- وأن يوزعوا جهد الدعاة على المناطق المحررة حسب الحاجة وحسب عدد السكان بحيث لا تبقى منطقة واحدة بلا إشراف.

6- وكلما دخل قوم منهم، درسوا حاجات البلدة وسألوا أهلها وعرفوا اتجاهاتهم وعاداتهم، ودونوا المقترحات.

7- وكلما خرج قوم منهم قدموا الاقتراحات للذين من بعدهم، فيُعنى بها الذين سيدخلون والذين يخططون للمشروع، وهكذا يتطور العمل ويتجدد.

يقدمون المقترحات العملية السهلة، القابلة للتطبيق، والتي توصل الناس لأهدافهم بأسرع الطرق وأفضلها. والمقترحات تشمل الموضوعات التي يحتاجها الناس بالداخل وأسلوب الطرح، وطرق الإقناع... فلكل قوم ثقافتهم ومفاتيح لقلوبهم.

7- وعلى الذين دخلوا اختيار النماذج المميزة من الناس في المناطق المحررة، فينظرون من يرجى منه الخير، ومن لديه القدرات فيخصونه، بالتوجيه ليصبح سفيراً لهم بالبلاد، ولو استطاعوا استمالة الرؤوس والوجهاء وسبقوا إلى كسبهم لفازوا فوزاً عظيماً وأفلحوا بالوصول إلى المقصود.

وهؤلاء يبحثون في الداخل عن أشخاص يحملون نفس المميزات، ويعملون على توجيههم وصلاحهم.

فإذا اصطفوا خيرة القوم وأعانوهم على تنيمة قدراتهم وتطوير مهاراتهم، أصبح الرجل من هؤلاء يُصلح عشرة، والعشرة يُصلحون مئة. والمئة يصلحون ألفاً بإذن الله.

وأنا من الذين لا يؤمنون بإمكانية جمع الكتائب وتوحيد المقاتلين تحت راية واحدة فالناس مختلفون ولهذا خلقهم، ولكني من الذين يؤمنون بتقريب أفكار الناس، وسحبهم إلى التيار الوسطي، وإلى الاعتدال، وإن هذا أقرب للواقع وأجدى في رأب الصدع وتصحيح مسار الثورة.

ونحن لا نحلم بمجتمع مثالي، وإنما مجتمع واقعي تغلب عليه الأمانة والصدق (وإن بقي فيه الغش والكذب)، ويمارس شيئاً من العدل (وإن شابته الرشوة أو خالطه المنتفعون).

إنه حل سهل ويسير ولا يكلف الكثير، لأن الدعاة يخرجون ويدخلون، والأهالي يكفونهم مؤنة النوم والطعام، ويرحبون بهم ترحيباً مميزاً؛ فإن أكثر ما تحتاجه سوريا -لإصلاح الفساد والتغلب على محور الشر- هو العلم والفهم.

المشروع لا يحتاج لإقامة مؤتمر، ولا لجمع الأموال، يكفيه لجنة مُنَظِّمَة يتواصل أفرادها عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي، فيضعون الأفكار العريضة ويختارون بعض الكتب المساعدة، ويطبعون الرؤية والتصور والخطط... على أوراق أو في كتيب صغير بأرخص التكاليف، ثم يوزع على المرشحين للدخول، وتجيب اللجنة على تساؤلاتهم. وأجمل ما في المشروع أنه تنظيمي فقط، وأن المرشحين له جاهزون للعمل الفوري ولا يحتاجون إلى تدريب.

وأما بالنسبة لموارد المشروع:

1- الداعية المليء يسافر من ماله، وكثيرون يفعلون

2- والمحتاج نجمع له من مال الذين اقتنعوا بالمشروع ولا يستطيعون السفر.

والمطلوب من هؤلاء:

1- حماية الشباب من الانضمام للفئات المقاتلة الباغية.

2- وتعديل أفكارهم فلا يتشددون أو يتطرفون.

3- تنويرهم الناس في الداخل إلى بحقيقة المرحلة، وتبصيرهم بعدوهم من صديقهم، وإرشادهم إلى الحق، فأكثر الناس ضاعوا. وضياعهم سبب في اختلافهم وخلافهم.