حماس.. شموخ وانتصار رغم الحصار ..
في ظلال الذكرى السادسة والعشرين لإنطلاقتها
في زمن الهزائم والإنكسار
م. وصفي قبها
نعيش هذه الأيام ظلال الذكرى المباركة لإنطلاقة حركة العطاء والتضحيات، حركة الطهر والنقاء، حركة الشموخ والإنتصار، حركة العزِّ والوفاء، حركة المقاومة الإسلامية ـ حماس، وها هي بعد عقدين وستة أعوام قد إزدادت صلابة وقوة وتعززت مصداقيتها، وارتفعت أسهمها وإتسعت قاعدة شعبيتها وجماهريتها، بالرغم من سنوات الحصار الطويلة والمحاولات العديدة والمتكررة لاستئصالها وإقصائها ، وبالرغم من العدوان الإسرائيلي الغاشم والهمجي من خلال حربين شرستين على قطاع غزة وإستهداف مباشر لوجود حماس فيها، وبالرغم من الضغوطات والمؤامرات المحلية والإقليمية والدولية إلا أنَّ حماس نجحت في إفشال كل المخططات الني تستهدف وجودها وتستهدف القضية الفلسطينية برمتها، واستطاعت الحفاظ والثبات على مبادئها التي أعلنتها منذ إنطلاقتها عام 1987م، والتمسك بتوابت وحقوق الشعب الفلسطيني حتى باتت السياج الحامي لهذه الثوابت والحقوق.
لقد تعرضت حماس ومنذ إنطلاقتها إلى عملية تشويه مبرمجة حتى وصلت الأمور بحركة فتح حد الطعن بشرف حماس الوطني، كما وتعرضت إلى عمليات من الإحتواء والترهيب والترغيب ومحاولات متكررة لتطويعها وحرفها عن نهجها المقاوم وجرها إلى مستنقع المفاوضات الآسن، إلا أنها إستطاعت بفضل الله أولاً وبحكمتها وحنكتها وسعة صدرها من تجاوز كل ما أحيك لها من مؤامرات ونُصب لها من أفخاخ، وفي مرحلة ما فقد أبدت مرونة في التكتيكات جسَّدت وعياً نضالياً ووطنياً وسياسياً، وأكدت على أنها لن تنكسر ولا يمكن إبتزازها، ولن تستجيب للإشتراطات الرباعية الدولية للإعتراف بإسرائيل، وأن الشعب الفلسطيني من حقه أن يقاوم الإحتلال بكل الوسائل والصور والإمكانات المتاحة، وهذا ما كفلته الشرائع السماوية وكل القوانين والمواثيق الدولية.
إن حماس وهي تعيش ظلال إنطلاقتها وقد ألغت الاحتفالات الرسمية بهذه الذكرى العطرة والطيبة إستشعاراً منها بما يمر به الشعب الفلسطيني من أزمات وحصار وكوارث لتؤكد أنها الأكثر إلتصاقاً بهموم شعبها والأكثر إخلاصاً في حمل الهم الفلسطيني والتعبير عن طموحات هذا الشعب العظيم، إنها تؤكد أنها ستبقى الشجرة طيبة الثمر، دائمة الخضرة،وارفة الظلال، عميقة الجذور يستظل بها ويأكل من ثمر عطائها وتضحياتها الكل الفلسطيني، شجرة عصية على القلع والإستئصال، شجرة يرميها الخصوم من أبناء الجلدة بالحجر فتعطيهم الثمر عطاء وتضحيات، صمود وثبات وإنتصار وعزة وكرامة، ولله درك يا حماس، ما أعظمها من حركة، وقد فشلت وتحطمت كل المؤامرات للنيل منها أو تحجيم دورها، فهي تُشكل الرقم الصعب في المعادلة السياسية الفلسطينية والإقليمية وهي رأس حربة المقاومة والعمود الفقري لها، وما صمودها الأسطوري في وجه أعتى قوة بطش وقتل وإجرام وتحطيمها لأسطورة الجيش الذي لا يُقهر والذي إستخدم قوة غير مسبوقة وأسلحة فتاكة ومحرمة دولياً أحدثت دماراً هائلاً في حربين شرستين إلا دلالات وممارسات وأفعال على أرض الواقع أنها رأس المقاومة الحقيقية والشريفة للشعب الفلسطيني، وها هي قد أجبرت جيش الإحتلال للإنسحاب دون أن يُحقق أهدافه من عدوانه على غزة وشعبها وحماسها ومقاومتها، وهذا كله تأكيد على أن هذه الحركة هي ضمير الشعب وهي التعبير الحقيقي عن آماله وطموحاته، وأن الشعوب التي لديها حركات مقاومة كحماس لا تُقهر ولا تُهزم.
لقد أبدعت حماس وعلى مدار سني عمرها في ميادين المقاومة والإستشهاد، كما وأبدعت في ميادين السياسة وخدمة الشعب من خلال الإضطلاع بالمهام والمسؤوليات والأمانة التي حمَّلها إياها الشعب الفلسطيني من خلال انتخابات المجالس المحلية والبلدية والتشريعية، الأمر الذي جعلها تبدع وتتألق وهي تتعاطى مع الشأن الفلسطيني وعلى كافة الأصعدة فقد ترجمت بالقول والفعل ما بين السياسي والمقاوم بحنكة وحكمة وجرأة وشجاعة غير مسبوقة في تاريخ وسير حركات التحرر والمقاومة، فقد سارت في برنامج التغيير والإصلاح من خلال إعلان ثورة على الفسادين المالي والإداري في مؤسسات الشعب الفلسطيني ورفض تدخلات الاحتلال بالشأن الداخلي للشعب, وعدم الاستجابة لشروط الرباعية في الوقت الذي أكدت فيه على قبولها قيام دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس على الحدود ما قبل الرابع من حزيران عام 1967 وضمان عودة اللاجئين وتبييض السجون من كل الأسرى والمعتقلين مقابل هدنة تطول أو تقصر مع حق الاحتفاظ للأجيال القادمة لتقرر ما تريد وفق الظروف وتحديداً. فيما يتعلق بالأراضي المغتصبة عام 1948.
وعلى صعيد الجهاد والمقاومة , فإن حماس التي بدأت بكتاب الشعار والحجر والمقلاع وتفجير حرب السكاكين وبطلها عامر أبو سرحان، إلى الكمائن المسلحة والرصاص وأبهى صور الجرأة والشجاعة مع الشهيد عماد عقل، إلى عمليات المواجهة ومروراً بالعمليات الإستشهادية إلى تصنيع الصواريخ والعمليات النوعية والتي جاءت إحداها بالجندي الإسرائيلي شاليط أسيراً من خلال عمليه الوهم المتبدد والتي عكست نجاحاً وانجازاً عسكرياً وأمنياً يصعب تحقيقه من قبل أكثر قوات الكوماندوز نظاماً وتدريباً, فما تجسد في العملية من حسن التخطيط وجرأة ودقة التنفيذ وتحقيق الأهداف قد أذهل القيادة العسكرية الإسرائيلية التي تعتبر نفسها رائدة العمل العسكري والأمني, وهذا بشهادة كل المراقبين والخبراء العسكريين بأن مجاهدي حماس يتمتعون بلياقه بدنية وتربية عقائدية وأخذاً بأسباب القوة والمنعة مما يجعل منهم مقاتلين متمرسين وقد غرست فيهم قيم البذل والعطاء والتضحية والشجاعة ولسان حال كل واحد منهم يقول " الموت في سبيل الله أسمى أمانينا", كما أن قدرة حماس على امتصاص كل الضربات التي وجهت لها, وإعادة بناء قوتها العسكرية وتحديثها المتواصل لما تمتلكه من أسلحة يجعل فيها رقماً صعباً وقوة لا يمكن أن يستهان بها وتجاوزها.
إن خروج حماس من معركة الفرقان منتصرة يؤكد على النجاح في البقاء حيث أنها عصية على الإستئصال، والثبات على المبادئ والتمسك بها، وحماية الحقوق والعمل المتواصل لتحقيقها، وحفظ الثوابت وتشكيل سياج آمن لها، وقد جاءت حجارة السجيل لتقطع الشك باليقين أنه هذه الحركة هي خير من يدافع عن القضية والحقوق الفلسطينية، وهي التي إنطلقت من رحم جماعة الإخوان المسلمين وجاءت لتراكم على عطاءات وجهاد وتضحيات المتطوعين من الإخوان الذين قدموا ضمن كتائب المجاهدين من مصر وسوريا والأردن والعراق في حرب عام 1948 حيث سجل سفر النضال والجهاد الفلسطيني صفحات من نور لمجاهدي الإخوان في التبة86, والفالوجا, والعسلوج, وصورباهر, وتبة اليمن, والقدس, والخليل , وقد روَّت دماء شهداء الأخوان الطاهر رمال غزة هاشم وثرى فلسطين الطهور.
إن حركة حماس قد كشفت عورة النظام العربي الرسمي الذي هُزم في أقل من ستة أيام أمام جيش الإحتلال، وذلك من خلال صمودها في وجه الإحتلال والمؤامرات والمكائد الدولية, وها هي اليوم محور وعمود مشروع النهوض العربي الإسلامي الذي أخد أبعاداً جديدة من خلال انطلاقة ومسيرة وثبات حماس، مستلهماً تجربة حماس التي تنهل من معين الإسلام الصافي وتستمد قوتها الروحية منه ومن عمقها الإسلامي في إطار فهمها للقضية الفلسطينية وفق منطق وطني يستند إلى ألأساس الديني وهي تتعاطى مع مفهوم الوطنية على أنه مكون من مكوناتها الأيديولوجية الإسلامية وأحد أبعاد القضية الفلسطينة.
إن حركة بحجم حماس وما تتمتع به من شورى وانضباط أكثر من غيرها ليجعل منها حركة متماسكة وموحدة بموقف سياسي موحد بعيداَ عن الاجتهادات التي تأتي في سياقها الطبيعي ومن خلال الحوارات الداخلية وبغض النظر عن درجة سخونتها, فإن كل ذلك يعكس أنها حركة حية تبدع في صناعة القرار من خلال آليات مشروعة لصناعة القرار وعلى أُسس ديمقراطية الأمر الذي يُسقط بين أيدي شانئي حماس بأن هناك تباين وخلاف داخل الحركة ويبقى أن نقول أن المتتبع لحماس منذ ميلادها وانطلاقتها قبل ستة وعشرين عاماً بأنها ألأكثر أمانة وإخلاصاً ومصداقية والأحرص على الحقوق والثوابت الفلسطينية وأنها الأكثر تعبيراً عن آمال وطموحات الشعب الفلسطيني وهي الحركة التي تحمل هموم الشعب وتسعى لتوفير سبل العيش الكريم له والحفاظ على عزته وكرامته وهي الأكثر إلتصاقاً بهمومه وقضاياه وبالتالي فهي تعبر عن نبض الشعب وضميره، لذلك نراها اليوم وفي ذكرى إنطلاقتها السادسة والعشرين أنها شموخ وإنتصار بالرغم من المكائد والحصار وفي ظل الهزائم والإنكسار.