التحزب .. في المنطق الأعوج !!
محمد عبد الكريم النعيمي - المدينة المنورة
في هذه الأيام التي تشهد مخاضاً صعباً تحياه الأمة الإسلامية، تعود إلى حظيرة الاهتمام قضية التحزب والجدوى من الأحزاب السياسية، في ظل "فشل" أو "إفشال" التجربة الحزبية التعددية في البلاد العربية، سيما في دول الربيع العربي، التي تتلقى - بشكل لم يعد خافياً على أحد - لكماتٍ متتابعةً موجعة - من القريب قبل البعيد - لإفشال أيِّ مشروع نهضوي فيها.
وإن تعجب فاعجبْ لجهاتٍ وحكوماتٍ لا ترى بأساً في أن تتعامل مع أحزابٍ علمانية ولا دينية.. بل وفاسدة في أغلب الأحيان وتدعم "مشاريعها" بكل ما أوتيت من مال ومكر، فإذا تصدر حزبٌ إسلامي واجهةَ المشهد السياسي في بلدٍ ما وباختيارٍ حرٍّ من مواطنيه، كشرت تلك الجهاتُ والحكومات عن أنياب الكيد والتآمر، وتنازلت عن أجزاءٍ من ثروات شعوبها لإفشال أي جهدٍ إيجابي لتلك الأحزاب الإسلامية!
ولن ينقضي عجبك حين تعلم أن تلك الجهاتِ والحكومات تتذرع لهذا التصرف بذريعة "الدِّين"! وتستكتب علماءَها المُدَجَّنِين للطعن في الأحزاب الإسلامية بحجة تفريق المسلمين بـ "التحزب"!
لتغدو الأحزاب العلمانية والتكتلات الفاسدة مشروعةً بهذا المنطق الأعوج، طالما أنها لم تتخذ من الإسلام ولا من سلوكه وقيمه الاجتماعية والسياسية والاقتصادية المرجعَ الأصيل لمشاريعها!
وذلك على الرغم من أن المنطق السليم يقول.. وكأي شيء في الدنيا.. إن هناك تحزباً مشروعاً وآخرَ مذموماً.. تماماً كاختلاف المذاهب الفقهية، فإذا رافق هذا التحزبَ تعصبٌ أو تفريق للمسلمين أو محاولةُ احتكارٍ للإسلام أو ادعاء تمثيله والنطق باسمه.. فهو مُحَرَّمٌ مذموم، وإن كان تجميعاً وتنظيماً للجهود المبذولة من أجل فكرةٍ ما لخير المسلمين والمواطنين جميعاً.. وليس لمن ينتمي لهذا الحزب فحسب.. فهو مشروع مطلوب.
وعليه ينبغي أن تكون علاقة الأحزاب الإسلامية ببعضها البعض علاقة تكامل وتناصح، كل يخدم الإسلام من الزاوية التي يُحسنها، دون أن يطعن في منهج الآخر أو جهده.. ولكل مجتهدٍ نصيب، المهم أن يبقى هذا التنوع في إطار اختلاف التناصح والرَّحمة، لا خلاف التنازع والفُرقة، وأن نُحسن إدارةَ هذا الاختلاف، بحيث تسير جهودُ كلِّ الأطراف في خطوط مستقيمة متوازيةٍ نحو الهدف المنشود، لا خطوطٍ عوجاء متضادة متصادمة، تعرقل المَسِيرَ وتستنزفُ الجُهدَ وتُضيع الهدفَ وتُطمِع العدوّ.