عظمة فقهائنا

معمر حبار

[email protected]

منذ سنة، طلب أحد المعنيين بمسائل الوقف والميراث من صاحب الأسطر، أن يقرأ له  عقدا مكتوبا بخط اليد، ويعيد فيما بعد كتابته بالحاسوب، ليقدمه للمحكمة كوثيقة سند للمطالبة بحقوقه. مع العلم، كُتِبَ العقد المتعلق بالوقف، أثناء فترة الإستدمار الفرنسي.

لم يستطع صاحب الأسطر أن يقرأ العقد بمفرده، فاستعان بزميل له، لفكّ رموز الخط، وتمّ إعادة كتابة العقد عبر الحاسوب، وقُدِّم للمعني الذي  طلبه.

أثناء قراءة العقد وإعادة قراءته مرات كثيرة، كانت هناك عبارة لافتة للنظر، وهي سبب كتابة هذا المقال.

قال صاحب العقد، تُقسّمُ القطعة الأرضية الفلانية، لأولادي، ثم أولاد أولادي، ثم أولاد أولاد أولادي، وإذاهلك النسل واندثر، يُقسّمُ الوقف حسب مذهب أبي حنيفة.

ومنذ عام، وصاحب الأسطر يتساءل، لماذا قال صاحب العقد يوزع الوقف، حسب مذهب أبي حنيفة؟، ولم يقل حسب المذهب المالكي، كما هو معمول به في الجزائر، منذ 14 قرنا؟.

وبقي السؤال عالقا، دون أن توجد له إجابة إلى أن بثّت القناة الجزائرية الخامسة، حصة حول الوقف في الجزائر، وبالذات في عهد الاستدمار الفرنسي.

قال المختص في القانون، كل العقود التي أبرمت في عهد الاستدمار الفرنسي، وتتعلق بالوقف، كُتبت حسب مذهب أبي حنيفة، ولم تُكتب حسب المذهب المالكي.

علّل المختص ذلك بقوله، أن الوقف في المذهب المالكي، يوضع في خدمة بيت مال المسلمين. وبما أنّ بيت مال المسلمين يومها كان في يد الاستدمار الفرنسي، وحتى يُحرَمَ الاستدمار من الوقف، والسطو على خيرات الجزائر، كُتبت العقود يومها، حسب مذهب أبي حنيفة، لأنه ينص على أن النسل إذا هلك وزال، يوضع الوقف، تحت تصرف المسجد الأقصى أو الحرمين، لأن هذه المناطق لم تكن حينها تحت الاستدمار.

فقهاؤنا رضوان الله عليهم، كانوا أبعد نظرا، وأفضل من دافع عن خيرات البلاد، والحرص عليها، وأن حبهم للمذهب لايمنعهم من الاستفادة من مذاهب أخرى، والاستعانة بها، إذا رأوا فيها مايحافظ على الثروة ، ويعزّز من كرامة العباد، ويقوي من استرجاع السيداة وتثبيتها.