لقطات من معاناة معتقل -15-
تحت عنوان "من تدمر إلى هارفارد" كتب الدكتور براء السراج، الأستاذ في قسم زراعة الأعضاء في كلية الطب في شيكاغو، مذكراته عن سجن تدمر. ونسجّل هنا بعض فقرات من مذكراته الغنية، في حلقات قصيرة متتابعة:
5 أيلول 1990:
عادت الأوضاع للتدهور بدءاً من تشرين الثاني 1990م وحتى نيسان 1991م. توقّفت التنفسات تماماً وحل محلها تعذيب شديد وقت إدخال الفطور. كانت كمية الشاي كبيرة مرفقة بكمية ضخمة من البرتقال، وكانت هوايتهم رفس حامل الشاي ثم اتهامه بكب الشاي وسحبه للتعذيب. بات الضرب صباحاً ووقت التفقد، بالمزلاج الحديد الذي ينزلق لإقفال الباب وفتحه، وأصبح همنا الأكبر الاستماع لصوت الباب وهل سحبوا المزلاج أم لا. أما عند التفقد فقد أصبح الأسلوب الجديد هو القفز في الهواء ثم رفسنا بحركة كاراتيه على المعدة أو الخاصرة أو الرأس باتجاه الحائط، وعاد تخييط الجروح بوتيرة متسارعة بعد كل تفقد، وكنت أحد ضحايا تلك الأيام، وكانت خياطةً لشق فوق الحاجب بإبرة خياطة عادية وبدون مخدر، لكن بيد طبيب ماهر من بيننا. طوّرتُ عادةً منذ سنين أن لا أدخل المهجع إلا وجثوت على ركبة واحدة وأغطي وجهي بيدي داعياً: ربّ سلّم ربّ سلّم، خوفاً على من هم ورائي.
7 كانون الأول 1990:
كنتُ حارساً ليلياً الليلة الماضية وعُلِّمت من قبل شرطي. عند المساء وقت إدخال مرقة العشاء، أخ ناجح وهو أخ مقدام من حماة دفشني بشدة لداخل المهجع وخرج ليُضرب عوضاً عني. وفي ليلة أخرى عُلّمتُ أيضاً وعند الصباح وقت إدخال الفطور، كان عدد المتطوعين لفداء الآخرين ضخماً عند الباب، بحيث لم أستطع الوصول للباب عندما طلبوا المُعلَّمين للتعذيب. أزحت الشباب بعيداً ليوقفني رئيس المهجع بأن أحداً ما سبقني متطوعاً. كان ذلك الرجل بشير، مهندس من اللاذقية، وبالكاد يعرفني فقد كان جديداً في المهجع. لم أجد كلمات لشكره على تلقّي ضربات بواري الحديد عوضاً عني. بقي يتألم منها لأيام.
24 شباط 1991م:
تم إعدام بقية شباب الطليعة مع آخرين، وكان من بينهم صديقي محمود خوجة، طالب من حلب، وعصام وزّان أيضاً من حلب. تم ضرب السجناء بوحشية إثر هذا الإعدام لأن الشباب صاحوا: الله أكبر، وقت إعدامهم.
وسوم: العدد 984