لعبة القفز على الحبال؟
اعزائي القراء ..
لعبة القفز على الحبال هي لعبة سياسية عالمية برز فيها الأمريكان والغرب عموماً وتعلم منها بوتين الشيء الكثير ، من اجل التنافس على السيطرة على العالم اقتصاديا ً وسياسياً وعسكرياً. واكثر نجاحات امريكا كانت في الدول العربية والاسلامية . ولا ننكر تحقيقهم لنجاحات في امريكا اللاتينية .
العرب كانوا مدللين امريكياً عندما كان الامريكان بحاجة لهم في محاربة السوفييت ، فادخلوا العرب والمسلمين في لعبة الدفاع عن مصالحهم فشجعوا المسلمين بالتوجه لافغانستان لمقاتلة السوفييت متخذين من الفكر الشيوعي الالحادي عاملاً مشجعاً للمسلمين لتجنيدهم في افغانستان. ثم انتهى السوفييت وتفككت امبراطوريتهم إلى دول ، ولم تعد الاشتراكية امراً مزعجاً للغرب كمنافس لنظامهم الاقتصادي الراسمالي .فعقد الطرفان علاقة ود اساسها دعم الغرب للروس واعطائهم امتيازات على أن لايتخطوا دورهم بالقفز الى المرتبة الأولى في قيادة العالم، ورضي الروس بذلك . ولكن في السياسة ، هناك مبدأ يقول : ان المنتصر والذي يملك قوة عسكرية طاغية يجب ان لاتبقى مجمدة فعليه ان يستعملها باي طريقة . كل ما هو مطلوب صناعة العدو، امريكا كانت الدولة المنتصرة على السوفييت ، وكان عليها استثمار انتصارها بالبحث عن عدو .
العدو كان أمامهم وهم العرب باغلبيتهم المسلمين السنة ، فانقلبت الحرب عليهم، و ابن لادن بعد ان كانت صفته بالإعلام الامريكي "مستر ابن لادن " ايام الحاجة اليه في افغانستان ،صار اسمه" الارهابي ابن لادن" ، فتم اختراع الإرهاب وتعميمه عالمياً ولصقه بالمسلمين السنة، فانتقلت امريكا من حبل الصداقة مع العرب والمسلمين إلى حبل الكيد لهم.
نعود الان إلى الروس والذين اسسوا دولتهم الوليدة على انقاض الامبراطورية السوفيتية ، فكان هناك رضى غربي على سلوك الروس وخاصة في عهد الرئيس يلتسن الذي كان همه تعاطي الفودكا مع تناول الوجبات الأمريكية السريعة والتي افتتح الروس مطاعم لها بامتياز خاص في بلادهم وانتقل الروس الى اللحاق بزخرف الحياة الغربية ومنح كبار الشخصيات الروسية بطاقات الفيزا و الماستر كارد و امريكان اكسبريس بما فيهم رئيسهم يلتسن الذي وضعت الفيزا تحت تصرفه بمبلغ ٢٠ الف دولار مباشرة . كما تم تسهيل اقامة مشاريع أمريكية في روسيا واستثمارات غربية هائلة ، الغرب لايهمه ذلك طالما ان النظام الشيوعي المخالف لاقتصادهم صار في خبر كان ، كل ما يهمه ان يبقى اقتصادهم مسيطراً اولاً ، و لامانع ان يحصل الروس على امتيازات في الدول الاخرى ، ولكن بموافقة امريكية اولاً . فكل شيء يجب ان يكون عن طريقهم.
ثم مات يلتسين بعد ان سلم الحكم لبوتين وهو شخص مخضرم من مخابرات العهد السوفيتي المنقرض ، فاعطى الغرب من طرف اللسان حلاوة، ومن الطاعة العمياء لهم قناعة . وانسجم مع سياسة الغرب طالما الاستفادة واضحة ولو بقي نفوذ الروس في المرتبة الثانية ولو الى حين.
فطلب الشيشان ، فاعطوه اياها طالما الضحية مسلم ، وطلب مد خط الغاز الثاني نورد ستريم ٢ لاوروبا فاعطوه هذا الامتياز طالما سيصلهم الغاز من خطين روسيين احدهما من الشرق والاخر من الغرب فالاستفادة مشتركة. وخاصة ان هذا الامتياز سيمكنهم من خنق العالم العربي العدو الارهابي الجديد ، دون الحاجة لغازهم .
هكذا كانت تسير الامور بين الغرب والروس بسلاسة ، فتركيز الغرب اضحى على تدمير العالم العربي والاسلامي السني والحجة جاهزة هي الارهاب .
فتم اعطاء الضوء الاخضر للروس والفرس وقسد والاسد للقيام بالقضاء على الشعوب ، وماجرى في سوريا والعراق ولبنان واليمن اضحى امراً لايحتاج لدليل . اما مهمة اخضاع الحكام العرب فكانت مهمة امريكا لاخضاع الحكام ليصبحوا اداة طيعة بيدهم و لتبتزهم ماليا
الى اقصى حد .
فتحركت امريكا على المكشوف بعد ان امسكت برسن الكلب الفارسي لتسلطه على حكام الخليج كلما رفضوا لها امراً.
بدأ هذا التعدي على العرب والمسلمين مباشرة. بعد زوال العدو الشيوعي ، ولما ثارت الشعوب على حكامها ، اعطت امريكا الضوء الاخضر لبوتين لتنفيذ اقسى درجات العنف والهمجية ضد الشعب السوري لقاء امتيازات اقتصادية ، وتحول القاتل الأسد الى كرة قدم يتقاذفها بأقدامهم الأطراف المختلفة.
اما بقية الحكام العرب والذين كانوا يتلقون الاحترام من الادارات الامريكية امام الإعلام ، فقد انتهى زمانه واصبحت السخرية منهم على المكشوف، فترامب كان يستهزئ بالملك سلمان امام الإعلام بل كان ترامب يقلده في مشيته وظهره محني وهو يتوكأ على عصاه فيضحك الحضور . اما ولي عهده فقد دعي إلى واشنطن وأمام الصحفيين وضع أمامه لوحة فيها موجز لمشاريع ترامب من اجل ان يبتز ولي العهد السعودي في ضخ الاموال من اجل تشييدها له ، واكثر من ذلك علق الملك عبد الله أعلى وسام سعودي على صدر بوش الأول لتحرير الكويت من الجيش العراقي اما عن تدمير العراق العربي وتسليمه لملالي طهران فليست مشكلة لديهم ،
وبلغ التعالي عليهم لدرجة انه سيتم محاسبة السعودية بدفع مليارات الدولارات لان بعض من السعوديين كانوا مسجلين بالقاعدة ، اما الحوثي المشترك مع الملالي وحزب الله بالموامرة على الامة العربية مع ملالي طهران فقد منحوهم ميناء الحديدة على البحر الأحمر بضغط امريكي على السعودية لتأمين وصول السلاح للحوثيين من ايران ، كما تم اخراجهم من قائمة الارهاب الامريكية ، واخيراً وليس آخراً انطلاق بعض طائرات الدرون من العراق وايران لضرب اهداف سعودية في المنطقة الشرقية وعلى مرأى من الرادارات الامريكية في العراق ، واي استنكار سعودي لهذه الغارات كان يقابل باهمال امريكي . كل ذلك حصل بينما العلاقة الروسية الامريكية تسير من حسن إلى أحسن.
نعود الى بوتين حيث كان في هذه الفترة يقوي ترسانته العسكرية النووية وصواريخه الدقيقة البعيدة المدى الى اقصى حد ويتدرب على اسلحته الحديثة على ابناء الشعب السوري باعتراف بوتين ، دون ردة فعل امريكية على الاطلاق .فخزينة البنك المركزي متخمة بالعملة الصعبة والشعب الروسي مرتاح وهو يستمتع بماقدمته الحضارة الغربية له. وبوتين وافراد عصابته مرتاحون مالياً فالعمولات في حساباتهم وتنفيذ المشاريع المختارة لهم بملايين الدولارات ، تماماً على طريقة " بطل الصمود والتصدي "بشار اسد وعصابته .
فمالذي يمنع بوتين من التقدم خطوة بعد خطوة ليقف مع الامريكان على نفس المستوى و يتم معاملته كرئيس دولة من الدرجة الاولى .فأقدم خطوة اخرى مستفزاً جيورجيا وصمت الغرب ثم احتل جزيرة القرم وصمت الغرب . وشعر الغرب ان صبيهم الروسي قد شب عن الطوق مطالباً ان يكون له نفس امتيازات الدول الغربية وان قوته المالية والعسكرية ستسمح له بذلك ،ادرك الغرب غايته ، ولكن من الصعب عليه القبول بمخططه.
زاد بوتين من استفزازه بغزو اوكرانيا وكانت الضربة القاصمة لامريكا ولحلف الناتو عموماً . قد تلحق الصين بها لتحتل تايوان ، ومن يدري فقد تكون الخطوة الثالثة باجتياح كوريا الشمالية لكوريا الجنوبية!؟ .
نعود لأمريكا
هل على امريكا اليوم ان تتخلى عن الحبل الروسي بعد ان كانت متعلقه به ؟
هل ستتخلى امريكا عن عداوتها لحكام الخليج وتقفز على حبل صداقتهم من جديد ؟
الوضع الحالي اليوم :
روسيا تتقدم في اوكرانيا ولو ببطىء ولكنها استولت على ربع اوكرانيا ،وسلاح الغرب ضد الروس هو فرض العقوبات وخاصة عقوبات حظر استيراد الغاز والبترول من روسيا دون ادنى تنسيق مع الدول المصدرة الاخرى لتعويض دول الناتو ، وخاصة ان الدول المصدرة و السعودية على وجه الخصوص وقفت امريكا منها موقفاً استفزازيا منذ سقوط السوفييت .
كما ان ايران وصلت لمرحلة التخصيب، وتجاوزت ال ٢٠٪ من التنشيط الاشعاعي لليورانيوم والبلوتونيوم وهي تقترب من سلاحها النووي .
والحكام العرب وخاصة دول الخليج الذين اهينوا مرات ومرات من قبل الادارات الامريكية المتعاقبة ، لم يعودوا في وارد الطاعة العمياء للسياسة الامريكية كما كانوا سابقاً ، بعد ان اذاقتهم الذل والاهانات ، فوضع بايدن اليوم وهو يخطط لزيارة السعودية محرج جداً . فالقفز على الحبال لم يعد يفيد امريكا كثيراً
الغرب سيتوقف عن استيراد ٩٠٪ من غاز وبترول الروس في نهاية العام ، والبديل الخليجي كما بينت ليس جاهزاً للعلاقة الغير مستقرة مع الامريكان ، العلاقة المتميزة بين الروس والامريكان والتي كان عمادها تدمير الشعوب العربية والمسلمين السنة انتهت .
والوضع اليوم مختلف ..
فهل سيستفيد العرب من هذا الاختلاف
وهل استفاق حكام العرب ام هم نائمون .؟
الان التاريخ يعيد نفسه .
فحاجة الامريكان للمسلمين اليوم ضد الانقلاب الصيني والروسي عليهم، يشبه تماماً حاجتهم لهم ايام الغزو السوفيتي لافغانستان.
نعود للعنوان " لعبة القفز على الحبال "
هل سيسمح لهم المسلمون باستغلالهم مرات ومرات بتجنيدهم ضد الروس ، وهل سيسمح حكام العرب بان يتلقوا اوامر بايدن بالضحك على لحاهم وكيل المديح لهم ،لسحب اموالهم بعد ان تغيرت اللعبة تماماً.
واكثر ما يهمنا نحن السوريون ، هل سيبقى حكام دول الخليج ينفذون اوامر امريكا في تمييع الوضع في سوريا . ام سيتخذون قراراً صائبا
بدعم الثورة السورية واعادة توحيد قوتها العسكرية لانهاء نظام القاتل ؟ وخاصة بعد انشغال الطرفين الروسي والامريكي في حروب اوروبا .
هذا ما يهم الشعب السوري اليوم .
وسوم: العدد 984