المحنة في طريق الدعاة الحلقة الثّانية
الابتلاء سنة ثابتة في الدعوات منذ القِدَم.
وكما كان الصِّراع بين الحقّ والباطل منذ فجر البشرية، كان الابتلاء مقترناً بهذا الصِّراع. وقد وضّحت الآيات الكريمة هذه الحقيقة بأجلى بيان. قال عزّ من قائل:}ألم. أحسِب النّاس أن يُتركوا أن يقولوا آمنّا وهم لا يُفْتَنون. ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمنّ الله الذين صدقوا وليعلمنّ الكاذبين{. سورة العنكبوت:1-3. فالابتلاء سنّة ثابتة منذ القِدَم.
ومن المعلوم أن الهمزة في كلمة }أحَسِبَ{ للاستفهام الإنكاري، فهو إنكار على الناس أن يحسَبوا أن الله تعالى يتركهم من غير امتحان واختبار بعد أن يقولوا: }آمنا{، بل عليهم أن يعلموا أن هذا الحسبان باطل.
ولم يألُ رسول الله صلى الله عليه وسلم جهداً في تأكيد هذا المعنى في أكثر من مناسبة. ولعلّ أشهرها جوابه لخباب رضي الله عنه:
روى البخاري عن أبي عبد الله خباب بن الأرت رضي الله عنه قال: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسّد بُردةً في ظل الكعبة فقلنا: ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو لنا؟ فقال: "قد كان من قبلكم يُؤخذ الرجل فيُحفر له في الأرض، فيُجعلُ فيها، ثم يُؤتى بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين، ويمشط بأمشاط الحديد، ما دون لحمه وعظمه، ما يصدُّه ذلك عن دينه. والله ليُتِمَّنَّ الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت، لا يخاف ألا الله، والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون".
ففي هذا الجواب توطين للنفوس على الصَّبر، وتأكيد أن المحنة سنة جارية، وأن الأمم السابقة امتُحِنت بأشد أنواع المحن فصبرت، ولا ينبغي أن يكون أبناء هذه الأمة أقل صبراً، وأن الفرج آتٍ، والنّصر قادم بإذن الله.
وإن الشدائد والبلايا ليست خاصة بالمؤمن، بل تصيب البرّ والفاجر، لكنّ مسوغات وقوعها على المؤمن أكثر، تنقية للصف، واختباراً لقوة الإيمان، ورفعاً للدرجات. تدبّر قول الله تبارك وتعالى:
}إن تكونوا تألمون فإنّهم يألمون كما تألمون، وترجون من الله ما لا يرجون. وكان الله عليما حكيماً{.سورة النّساء:104 (وهي في مجال الصبر على جهاد الكفار).
وسئل النبي صلى الله عليه وسلم: أيُّ الناس أشدّ بلاء؟ قال: "الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل". رواه أحمد والبخاري والترمذي وابن ماجه والدّارمي.
وسوم: العدد 984