ثقافة اليوم ... وحقيقة مطلب السعادة !
ثقافة اليوم ترتكز على فعلِ واحدٍ ، يتوجه فيه الوالد و الصديق وكل مَن يمكن أن يتحدث معك بشأنِك ،وهو فعل الأمر المغدق بالنصيحة : ( كُنْ ) . وكثيرا مانسمع هذا الفعل ينطلق بقوة على ألسنة الآخرين : ( كن ثريًا، كن سعيداً، كن ذكيا، كن مغريًا، كن مميزًا، كن مدهشًا، كن مختلفا ، كن متفردا كن... كن . ) .طوال الوقت نركز على ما نفتقر إليه في سبيل النهوض بأنفسنا وتطويرها ،
حينها يداهمنا التفكير لو أننا كنّا أو سنكون أثرياء ، سعداء ، ناجحين ، مميزين ، مدهِشين ، جذابين و... و... لولا فشلنا . دائما مفتاح الحياة السعيدة هو وظيفة أفضل، سيارة حديثة، منزل فخم، جوّال راق ، والكثير من المال ، وسفر حول العالم و... و... وهذا حال أكثر الناس الذين غفلوا عن السعادة الحقيقة التي يخبئها الغد أقصد الغيب الذي لاتلمسه يد الإنسان ولا يحيط به تفكيره .
ولطالما ارتبطت السعادة بأن تشترِيَ أكثر ، تكسب أكثر ، تصنع أكثر. تملك من العقار أكثر . و.. و.. المزيد من كل شيء . وأنت ــ أيها الإنسان ــ عاجز عن فعله لتدخل بعدها في دائرة الجحيم ، حيث القلق وربما الحزن ، وربما الوجع الأكثر منهما . أنت قلِق ( بكسر اللام ) ، دائما تقلق من أفكارك التي هي نتاج ما تشاهده ، وتحاول أن تحقق ولو جزءا بسيطا منه لكنك عاجز ، بكل معطيات حياتك التي تفتقر لِأبسط حقوقك ، أنت أعجز من أن تحقق شيئا البته . تتوتر بخصوص (الصحيح) الواجب عليك فعله وبشأن (شعورك بالذنب) إثر تكرار أخطائك وعثراتك للحصول/الوصول لما تمنيته ورسمته لك مخيلتُك . ولكن هل خطر لك يوما أن لعدم المبالغة في الاهتمام مفعولا عكسيا.. بمعنى أن بعض اللامبالاة_(التطنيش )_ قد يأتي بنتائج رائعة وبجهد أقل من ذاك الذي نُفرط به لمبالغتنا بالتفكير والاهتمام والتركيز بما نعجز عن تحقيقه. تلك البقايا الصغيرة العالقة بنهاية الحكاية ولا تُروى.. . كلمات ابتلعناها بآخر لحظة ، لم تستطع الإفلات من قبضة البوح ، علاقات مع أشخاص رحلوا قبل أن نعرف منهم ما أردنا معرفته . آهٍ ثم آه ... أخطاء تقصدناها.. وعثرات تجنبناها . هو ماض نحاربه رغم نسيانه.. ونسيان يرعبنا الانغماس فيه ، فراغات كبيره وثقوب صغيره وأفكار والتزامات. ( حب... كراهيه... ضياع... وأمان... نقص رهيب/مخيف يتجسد في ذاك القابع بعيدا/قريبا يلازمنا وأقدام تقترب بحذر... بحذر واحتراف نحو ذاك المُتبقي من الحكاية.. ليكملها! كثيرة هي الأسئلة التي تتعارك بداخلنا إ ودائماً لا إجابات مقنعه ! وغالباً أسئلتنا نتاج الملل والعجز عن التغير!
نحن نعلم أننا نعيش بمشيئة الله ، ونبحث طوال الوقت عن أسباب ومبررات قد لاتجدينا شيئا ... ونرهق تفكيرنا لنصل لنتيجة / محصلة .. لنعرف النهاية ، جميعنا يعيش ليعرف ماهي النهاية ! كما لو كنّا نحيا بمسرح كبير نراقب أنفسنا /بعضنا ... ونخمّن شكل النهايات ، لونها ، وأثر وقعها ، ولسنا نثق تماما بأن النهايات منصفه لأنها من صنع تفكيرنا فقط ، فنحن نعايش الظلم الاجتماعي ، والقمع ال... و... إذاً لاحقيقة لوجود العدل بالحياة ( في هذه الأزمنة على الأقل ... ) وبالتالي فالنهايات غالباً تكون حزينه ! قد نستثني أصحاب الحظ .. فلهم نصيب من السعادة وربما في ضوء : ( وإنه لذو حظ عظيم ) . وبالله التوفيق على مستلزمات النفس البشرية مع مصطلحاتها : ( نصيب .. وقسمة .. ) إذا فلا وجود للحظ في دائرة اضطراب النفس في هذه الحياة ، وربما تدخل هكذا لتجدهـا من حصص : أنت تربح ليخسر غيرك ، أنت تأكل ليجوع آخر ، أنت تعيش وسواك يموت !
ولتحصل على الحصة الأفضل يجب أن تفكر/تعمل ... لتحصّل . لكن عليك أن تستوعب الحياة بشكل جيد . فلا تستهلك فكرك بما لايستحق ، ولا أن تحجّم الأمور أكثر من حجمها الطبيعي ، وربما كان التجاهل سيشعرك بأنك أفضل. إن للحياة قيمة عليا يبدو أن أكثرنا تناساها ، وربما ألقاها خلف جهد منكبيه ، وأنت لست وحدك فيما يدور حولك ، فتلمَّسْ ضوءَ الأنس الذي يمنحك الطمأنينة والاستقرار النفسي ، لقد سُئلت رابعة العدوية وقد كانت تعيش في عزلة لسبب ما مَن معك فقالت : وحدي مع الله .
وهنا ... هنا مربط الفرس كما يُقال . فالإنسان الذي يتوخى الطمأنينة في حياته ، وعدم الدخول في دوَّامة القلق ، عليه أن يرضى بما قدَّر الله سبحانه وتعالى له في حياته ، وأن يبادر بالعمل الذي يحقق من خلاله تلك الطمأنينة ، فلا يشغل بالَه بأمر لايستطيع تحصيلَه ، ولا بمكانة لم يُخلَق لهـا ، وإنما يتلمس مواطنَ الحياة الطيبة المباركة ، فلا ينازعه عليها أحد ، ولا يزاحمه في مَيْدانها الآخرون ، فتلك الحياة أبوابها واسعة ، وقد يسرها الله لجميع الخلق . ويتيسر هذا الأمر للمؤمن وللمؤمنة أكثر من غيرهما ، يقول الله تبارك وتعالى : (من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ) 97 / النحل . والعمل الصالح يشمل العبادات التي وردت في كتاب الله العظيم ، وفي سُنَّة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم . وفيهما من الإرشاد والقيم العالية مايحفظ النفس البشرية من وطأة القلق ، ومن عصف رياح الاضطراب في وجهها . فالقناعة بما قسم الله للإنسان عنوان جميل للطمأنينة ، ومسلك آمن للسعي نحو الأفضل ، وتتلاشى عندئذ أثقال الجشع ، وتنأى النفس البشرية عن هموم تكاد تفتك بهـا إن تتداركها رحمة المولى سبحانه . فالسعي نحو السراب غير مجد ، ولا يتعب النظر وحسب ، وإنما يتعب الجسد الذي لايطيق ما لا يقدر على حمله . والحياة كما يعلم الجميع دار ابتلاء ، وليس للإنسان أن يقلب الموازين التي شاء الخالق أن تكون كما أراد ، وهو العليم الخبير ، لا كما يريد الإنسان مهما بلغ من درجات العلم والمعرفة والدراسات . وهذه حقيقة يصعب تخطيها ، ومن تخطَّاها فقد دفع بخُطاه إلى الهلاك . وصدق الله العظيم القائل : (إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا * إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا) .
وسوم: العدد 986