"الناتو" العربي الإسرائيلي غايته حماية إسرائيل عربياً
تاريخ الغرب مع العرب سلسلة متوالية الحلقات من المؤامرات التي عادت عليه بالمرابح الاستراتيجية ، وعادت عليهم بالمخاسر والنكبات الاستراتيجية . وأولها اتفاق بريطانيا مع الشريف حسين على إعلان الجهاد ضد الخلافة العثمانية لمساعدة العرب على التخلص منها بعد أن تضخمت نزعتها التركية القومية ، ولم تعد تلك الخلافة الإسلامية الروح والسمات التي يجب أن نعترف لها بحماية المنطقة العربية والإسلامية من الخطر الأوروبي أربعة قرون ، وأن هذه الحماية لو تركت للعرب وحدهم لكان مآلهم مآل الهنود الحمر في أميركا الشمالية . ومثلما هو معروف ، غدرت بريطانيا بالشريف حسين ، وانتهى منفيا منبوذا في قبرص ، وتقاسمت الشرق العربي مع فرنسا في اتفاق سايكس _ بيكو في 1916 ، وأصدرت وعد بلفور في يناير 1917 مانحة اليهود وطنا في فلسطين ، وأسست أنظمة عربية وظيفية لمنفعة مصالحها ، وورثت أميركا التي صعدت عالميا بعد الحرب العالمية الثانية تلك الأنظمة التي كان من متفرعات وظيفتها أن تكون سدا سياسيا وجغرافيا حاميا لإسرائيل ، وأدت هذه الوظيفة سرا . ومع السنين ، وضعف التيار القومي العربي ، تجرأت على الجهر بذلك الدور الذي لا مصلحة ولا خير فيه لشعوبها ، لا خابط ( بعير ) ولا ناطح ( ثور ) لها فيه بالمثل العربي . وكل ما أرادته ثمنا له هو استبقاء أسرها تحكم شعوبها حكما فاسدا مستبدا ماحقا لإرادة تلك الشعوب ، ومعجزا لها عن التصدي للغرب ولإسرائيل . واليوم ، هذه الشعوب ومعها كل الشعوب العربية في وجه عاصفة مؤامرة جديدة مخيفة ، انتقل فيها الغرب بقيادة أميركا الطائشة المتوحشة التي تجمع آراء أهل الفكر الاستراتيجي على دنو شمس قوتها من الأفول decline ، وإسرائيل المقيتة الانتهازية ، وهذه الأنظمة الفاسدة العابثة بمصير شعوبها ؛ إلى اللعب على المكشوف . ما عادوا يخافون أحدا . الشعوب خائفة صامتة أو متظاهرة بالإعجاب بسياسة طغاتها تظاهر العبد بالإعجاب بسيده المذل له ، وحملات تكريهها ببعضها تتدفق عبر وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام الرسمي والإعلام المستأجر ، فإذا الإسرائيليون أقرب إلى شعوب هذه الأنظمة من الفلسطينيين ، وإذا هو لا موجب لمعاداة الإسرائيليين الذين لم يقتلوا فردا واحدا من هذه الشعوب ، وإذا الصلاة في مسجد في أوغندا أبرك من الصلاة في المسجد الأقصى الذي بارك الله _ سبحانه _ حوله ، وأسرى بنبيه الأكرم _ صلى الله عليه وسلم _ ليلا إليه . المؤامرة الجديدة هي "الناتو" العربي _ الإسرائيلي ، وحجة تأسيسه المزيفة الوقوف في وجه خطر إيران على الدول العربية التي ستشارك في الناتو وعلى إسرائيل . والواقع المشهود أن أربع دول خليجية علاقتها بإيران جيدة آمنة ، وهي عمان والكويت وقطر والإمارات نفسها التي تقود التطبيع الشامل مع إسرائيل ، والرياض تباحث إيران في تحسين العلاقات معها ، وإن كنا نلاحظ تباطؤا من جانبها في تحسينها يحرضنا على الظن بأن غاية التباحث هي إجهاد إيران مثلما تفعل أميركا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا في مباحثات نووي إيران ، ولا نستبعد أن يكون تباطوْ الرياض مدفوعا من أميركا والدول الأوروبية الثلاث . والبحرين تابع صغير للرياض ، ولو صَفَت علاقة الرياض بإيران ستصفو علاقة البحرين بها . ومفروغ منه أن " الناتو " الجديد سيعادي المقاومة الفلسطينية وحزب الله وسوريا ، ولو حاربت إسرائيل هذه الأطراف العربية فحلفاؤها العرب ملزمون بالاشتراك في هذه الحرب تنفيذا لما تمليه عليهم عضويتهم في " ناتو " العار التاريخي لكل دولة عربية انتمت إليه . وعندئذ لن يجد أولئك الحلفاء التعساء مجالا مهما صغر لنفاقهم حول حرصهم على خير الأمة ، وإيمانهم بوجوب تحقيق العدالة للشعب الفلسطيني . سيكونون صهاينة عراة ، وسيبغضهم كل الشعب العربي أشد مما يبغض الصهاينة الأصليين ، وستكون نهاية حكمهم مآلا لا نجاة لهم منه . والناتو ، منكرهم الشيطاني القبيح ، سيكون نفعه المؤقت لإسرائيل وحدها . سيوفر لها حماية عربية علنية ، وننتبه إلى أنه يتأسس في وقت تصارع فيه تمزقا داخليا ، وارتداعا عن العمل العسكري في مواجهة إيران وحزب الله وغزة . وهي ستتغلغل تغلغل الماء في التربة الرملية في كل مؤسساتهم الوطنية : العسكرية والأمنية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية والإعلامية باثةً سمومها وتخريبها فيها . واليهود مشهورون حاذقون في التغلغل في كل هذه المكونات ، وإنها لعبرة كبرى أن نعلم أن من الحقائق المستقرة لدى الأوروبيين أن نهضتهم الحديثة في آخر القرن الثاني عشر لم تبدأ إلا بعد طرد اليهود من كل دولهم ماعدا هولندا التي لاذوا بها ، ومن الأسر اليهودية اللائذة أسرة الفيلسوف الهولندي باروخ سبينوزا ( 1632 _ 1677 ) التي هربت من محاكم التفتيش الأسبانية the Spanish inquisition . وهولندا على كل حال على كل حال كانت ملاذا حتى للمسيحيين الذين تمردوا على صرامة تعاليم الكاثوليكية أو جاؤوا بأفكار اجتماعية مخالفة للمتوارث المستقر . وستكون الدول العربية المشتركة في الناتو المنكر سوقا للأسلحة الإسرائيلية . وهذه الدول هي التي ستمول نشاطاته وتحركاته ، وستعرف إسرائيل كيف تتملص من أي تمويل لتلك النشاطات والتحركات . إسرائيل تحسن الأخذ وتمقت العطاء ، وهي في كل هذا ستسير على خطا أميركا ، وستكون أمهر منها في الأخذ من عرب " الناتو " الجديد . فهي تراه مكسبا استراتيجيا عظيما لها ، وحماية عربية لكيانها مضافة إلى حمايتها الخاصة لنفسها وحماية أميركا لها ، وسيكتشف الأعضاء العرب البؤساء أنهم ضحايا مؤامرة جديدة في سلسلة مؤامرات الغرب التي تتوالى على العرب دون أن يتعظ لاحقهم بالضحايا الذين سبقوه .
وسوم: العدد 986