الرد على المفتري على منابر الجمعة مدعيا أن من يخطبون فوقها يستصغرون عقول الناس
نشر موقع هسبريس تحت عمود كتّاب وآراء مقالا بعنوان : " كيف يستصغر الفقيه عقول الناس " للمدعو عبد العزيز سعدي حمل فيه على الخطباء والدعاة متهما إياهم بترويج ما سماه مغالطات فقهية ، وزاعما أن مواعظهم الدينية تشهد على مدى استخفاف بعضهم بعقول الناس من خلال سفسطة خادعة ، ومثّل لذلك بالقول القائل إن الإسلام أعلى من شأن المرأة بدليل تسمية سورة من سور القرآن الكريم باسم النساء، وزعم أن ما يفند هذا القول هو وجود سور أخرى تحمل اسم المنافقين واسم الجن ...
وقبل أن ننتقل إلى ما سماه صاحب المقال مغالطات، سنقف عند ما اعتقده دحضا للقول القائل بأن تسمية سورة النساء دليل على رفعة شأنها بدليل أن سورا من القرآن سميت بالمنافقين وبالجن ... وهي مقارنة خاطئة تعكس قصر نظره ، وضيق أفقه ، ذلك أن أسماء السور وهي توقيفية دلالتها ليست على وتيرة واحدة، فسورة النساء تعرضت لشتى أمور تهم المرأة وكلها تكريم لها ، وليس فيها ما يقدح فيها كما هو الأمر بالنسبة لسورة المنافقين التي عرضت بهم ، كما أن سورة الجن أخبرت بالمغيب مما لا علم للبشر به من أمرهم لما سمعوا القرآن الكريم أول مرة ، وسورة الشعراء جمعت بين ذم فئة منهم ومدح أخرى ....
وليس في قول خطيب أو واعظ أن من رفعة شأن المرأة تسمية سورة من سور القرآن الكريم باسم النساء ما يعاب أو يعتبر استخفافا بعقول الناس كما زعم صاحب المقال خصوصا وأن سورا من كتاب الله عز وجل سميت بأسماء رسل وأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم ، وعلى رأسهم سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم ، وذلك لرفعة لشأنهم ، فما المانع من أن تكون سورة النساء قد سميت كذلك لرفعة شأن المرأة ؟ وسورة المؤمنين لرفعة شأنهم ، وسورة الكافرين والمنافقين لخسة شأنهم ....
وانتقل صاحب المقال بعد ذلك إلى ما سماه مغالطات بعض الفقهاء ، وذكر أنهم يقولون بأن من دواعي تزويج القاصرات نضجهن في البلاد الحارة ، وزعم أن الأبحاث العلمية لم تثبت ذلك، ولكن الناس في نظره يتغابون حتى لا يعترضون على الفقهاء القائلين بذلك . والرد على زعمه هذا أنه ادعى ما لا علم له به ولا يقين عنده حين جزم أن الأبحاث العلمية أثبتت عكس أن تكون القاصرات متفاوتات في نضجهن الفيزيولوجي حسب اختلاف طبيعة البيئات في المعمور ، وهو أمر لا يحتاج إلى أبحاث علمية، فيكفي أن يدخل الإنسان صفا دراسيا في أي بلد شاء من بلدان العالم ،ويقارن بين القاصرات في نفس المستوى الدراسي ليجد أن أجسادهن ليست سواء من حيث النضج ، وهذا ما جعل الشرع يعطي القضاة الصلاحية للبث في أمر زواجهن مع شرط بلوغهن بطبيعة الحال. وعلى القراء الأفاضل أن يحكموا على ما يزعمه صاحب المقال، ويسميه استخفافا بعقول الناس ، ولئن شاء أن يخوض رهان التجربة تحديناه والواقع حكم بيننا ، ومن معه دليل ملموس حجة على من لا دليل له .
ومما سماه صاحب المقال أيضا من مغالطات الفقهاء القول بأن نسبة الإناث أكبر من نسبة الذكور ، وهو ما يبررون به على حد قوله تعديد الزوجات زاعما أن الاحصائيات تكذب ذلك في عصر الأنترنيت . وتكفي إشارة إلى تاريخ البشرية الطويل والحافل بالحروب، وآخرها الحرب العالمية الثانية التي أبادت من الذكور ما لم تبد من الإناث كدليل قاطع على تهافت قوله، وكذبه على الاحصائيات .
ونترك القراء الكرام مع فقرة من فقرات مقاله ليتبين أن الرجل ـ مع احترامنا للرجولة ـ مخلوق متحامل على المنابر ، وهو دون شك من فصيل العلمانيين المتعصبين لعلمانيتهم حيث يقول بالحرف:.
(وقبْل استعراض نماذج شائعة أخرى من استغباء المخاطَبين عبر أقوال فاسدة ومناهج كاسدة لبعض الوُعّاظ، تعالوا نرى كيف يتم التحضير لتسطيح العقول في أوضح صُوَرِه واستجلاب المزيد من الإِمَّعة بالتلقين الجماعي.
نُودِيَ لصلاة الجمعة وغصَّ المسجد بالمصلين واعتلى المنبرَ شيخٌ بِلحية تتمدد في جميع الاتجاهات، وقد الْتَحفَ بأَردية بعضها فوق بعضٍ مشَكِّلة خلفية بيضاء لِعصا غليظة داكنة أخذَ يُداعبها بلطف وهو يستهل الخطبة بمقدمة مليئة بالسجع، يكررها كل جمعة ويقرأها بلحن يجلب النوم. لكن، ما أنْ بدأ عرْض موضوعه وانشغل بالنهي والتحريم والاستنكار والتكفير لقراءته المتطرفة والانتقائية للآراء الفقهية حتى تسارعتْ وتيرة الخطبة واشتدَّت لهجتها، فصارت العصا في يده رمزا للتسلط والغطرسة، يهزُّها هزا ويُسمع لها طرقٌ كلما علا صوته بالوعد والوعيد. وكان صاحبنا، حين تجهُّمِ وجْهِه وتهجُّمِ لسانه، يَعمد إلى إشباع حديثه بالأهوال التي ينتقيها بعناية فائقة من الحقل المعجمي لجهنم مثلما يعتني بمظهره الذي يفرض الهيبة ويكرس الاستعلاء الإيماني ويضمن الاعتبار الاجتماعي
وجاءت خطبة الشيخ ردًّا على انتقادِ تشبُّثِ فقهاء مذهبه بالنصوص التراثية التي أثبت العلْمُ الحديثُ بُطلانَها. فشرَع يُبَرِّئ تراثَ السلف الصالح من التخلف ويتعلل بكون العِلم قاصرا والأبحاث في بداياتها والحقائق العلمية غير ثابتة، وقد كان قبل أيام -عندما كان متحمسا لإثبات ما رآه إعجازا علميا للقرآن الكريم- يتحدث عن الحقائق العلمية التي نزلت على الرسول محمد (ص) ولم تُكتشَف إلا في العصر الحديث بفضل التطور العلمي والتقدم التكنولوجي. هكذا يكون العلم التجريبي تارة متقدما وتارة متأخرا، وِفْق المنحى الذي يريد)
ومما عده صاحب المقال أيضا مغالطات الفقهاء التي يستصغرون بها عقول الناس ما يلي :
ـ الصوم شرع ليحس الناس بجوع الفقراء .
ـ المنابر التي يخطب الخطباء فوقها هي منابر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ـ الصحابة يتقاتلون نهارا في معركة صفين، ويجتمعون حول الموائد ليلا.
ـ الإسلام شوكة في حلق العلمانية .
ـ سبحان الله أتت النار على المنزل بكامله ولم يحترق القرآن .
ـ الله هو الذي يرفع الأسعار.
فلنقف عند هذا الذي سماه مغالطات تستصغر بها العقول، فما المغالطة في كون حكمة من بين حكم عبادة الصوم الإحساس بالجياع ؟ وما المغالطة في نسبة منابر الجمعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم إجلالا لها ،وهو أول من سن سنة اعتلائه ومن فوقها يتلى كتاب الله عز وجل ، وحديث رسوله عليه الصلاة والسلام ؟ وهل يستحيل أن تأتي النار على كل ما في مزل باستثناء مصحف ؟ وهل يستغرب أن تكون المعاملة الإنسانية بين المتقاتلين، فيطعم الأسرى، ويداوى الجرحى كما ينص على ذلك شرع الله عز وجل ؟
أوليس الغلاء نقمة أو ابتلاء من الله عز وجل ؟وهو القائل في سورة سبأ :
(( لقد كان لسبإ في مساكنهم آية جنّتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل ذلك جزيناهم بما كفروا وهل يجازى إلا الكفور )) ، فمن الذي غير معيشة أهل سبأ أليس الخالق سبحانه وتعالى انتقاما منهم ؟ أم أنه رئيس حكومتنا الحالي المسؤول عن الغلاء في اعتقاد صاحبنا المعبر عن ضيق أفقه ،وهو الذي لا يفرق بين الأسباب وبين مسببها والمتحكم فيها في الكون وهو الذي صرح أن كفر النعم يحجبها عن الكافرين بها .
أما مربط الفرس أو بيت القصيد في هذا المقال كما يقال، فهو مقولة " الإسلام شوكة في حلق العلمانية " والتي أغضبت صاحبنا، والراجح أنها هي السبب وراء تحريره لهذا المقال المسيء للمنابر والخطباء والوعاظ ولمن يتابع خطبهم ومواعظهم ليخفف من غصة سببتها له، وقد قيلت من فوق منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ودون ذكر المزيد مما جاء في مقال يعج بالسخرية والاستهزاء من منابر الجمعة وممن يعتلونها ، وبما سماه خرافات كتب التفسير التي نعتها بأنها كتب صفراء ، وبما وصف به عمّار المساجد من سذاجة وشغف بسماع الروايات الخرافية، نكتفي بالقول أن صاحبنا العلماني ينطبق عليه قول المثل العربي : " رمتني بدائها وانسلت " الذي يضرب لمن ينسب عيبا فيه لغيره ، ذلك أنه ورهطه من العلمانيين يستصغرون عقول الناس بما ينشرونه من مقالات طافحة بالحقد على الإسلام لأنه حقيقة شوكة في حلق العلمانية ، ويفترون عليه الكذب، وعلى المنابر والخطباء والدعاة انتصارا لعلمانيتهم التي لا مستقبل لها في هذا البلد الذي أراده الله تعالى أن يكون بلد إسلام حتى تقوم الساعة ولو كره العلمانيون ومن على شاكلتهم من المفسدين في الأرض، وما ينادون به ويطالبون به من مفاسد أكبر شاهد على ذلك، وكفى به دليلا .
وسوم: العدد 988