من «الزبون» الجديد الذي سينفق على 4 قنوات مصرية جديدة؟!
مجدداً يبشر الجنرال في مصر بقناة إخبارية جديدة، وزادت الشركة المتحدة بأنها ليست قناة واحدة، ولكن حزمة من القنوات، هي أربع محطات تلفزيونية ما بين محطات محلية ودولية!
الشركة المتحدة هي الشركة التي أسسها أهل الحكم لتقوم بدور المالك للصحف، والمواقع، والقنوات التلفزيونية، التي تم الاستحواذ عليها، وبعض هذه الوسائل الإعلامية كانت مجهولة النسب، لا سيما تلك التي أطلقت بعد الثورة، فلم نصدق في يوم من الأيام أن محمد الأمين (مسجون الآن) الذي هبط على مجال الإعلام بالباراشوت هو المالك الفعلي لمجموعة قنوات «سي بي سي» وجريدة «الوطن» اليومية، لمجرد أنه كان يعمل في الكويت لمدة عشرين عاماً، فلو عمل أميراً هناك فلن يستطيع أن يدخر من راتبه ما تحتاجه جريدة يومية، وعدة قنوات، منها قناة من بابها للطهي!
أما البعض الآخر فتم الاستحواذ عليه بيعاً وشراء، برضا كامل، أو قوة واقتداراً وبالإكراه المادي، كما حدث مع صلاح دياب لحمله على التنازل عن جريدة «المصري اليوم»، أو بالإكراه المعنوي، كما حدث مع مالك «دريم» رجل الأعمال أحمد بهجت، أو بالرسائل، كما حدث مع مالك قنوات «أون تي في» نجيب ساويرس، ولم يتبق من القنوات التلفزيونية خارج ملكية أهل الحكم سوى «تن» لأنها مملوكة لأهل الحكم في الإمارات، و«صدى البلد» المملوكة لرجل الأعمال محمد أبو العنين!
كما أن الشركة المتحدة هذه وضعت يدها على مبنى ماسبيرو بعقد تطوير، وليس أهل الحكم بحاجة لذلك، فالمبنى أصلاً يتبع السلطة، وحكومة ثورة يوليو المجيدة استلمت الإذاعة من الحكم البائد وهي مملوكة للحكومة، وعندما عرف المصريون التلفزيون في بداية التسعينات نشأ في أحضان السلطة!
معركة مع العالم
والحال كذلك، فعندما يجري الحديث عن إطلاق قنوات تلفزيونية حديثة فنحن أمام احتمال من إثنين، الأول أن دولة ما تمول هذا المشروع، والاحتمال الثاني أن نكون أمام اسراف يدخل ضمن سياسة أكبر مسجد، وأعرض كنيسة، وأطول مئذنة، وأكثر سلسلة قصور رئاسية!
من قبل بشر السيسي بإطلاق قناة تلفزيونية إخبارية عالمية وفق أحدث طراز عالمي، وباستوديوهات متقدمة وحديثة وعالمية أيضاً. فالقوم في معركة مع العالم، فكل خطوة هي عالمية، وكل مشروع لهم هو الأكبر، والأعلى، والأعرض، في العالم!
ولأن البشرية احتارت في الجهة التي ستنطلق منها هذه القناة؛ قال رئيس قطاع الأخبار في التلفزيون المصري: الطبيعي أنها ستنطلق من مبنى ماسبيرو وتتبع التلفزيون الرسمي. مع أن ماسبيرو تنطلق منه قناة «النيل» التي تغيرت أسماؤها وظل الحال على ما هو عليه من حيث كونها قناة فقيرة وبائسة، ومن «النيل للأخبار»، إلى «النيل» يا قلبي لا تحزن!
وقالت إدارة قناة «سي بي سي» إنها ستنطلق منها، ونفس الأمر حدث من إدارة قنوات أخرى مثل «النهار» و»الحياة»!
بعد ذلك تبين أن القناة الجديدة، تتبع المجموعة الجديدة «دي إم سي»، التي تم تعريفها من جانب العاملين فيها بأنها قناة المخابرات، وبدأ العمل على قدم وساق في القناة الإخبارية لمدة عامين، وبأحدث الأجهزة، وفي الواقع فان «دي ام سي» العامة، انطلقت من استوديوهات متطورة، ومساحات واسعة، وألوان ذاهية، لكن ليس بالأستوديوهات الحديثة وحدها تنجح القنوات التلفزيونية، و»الجزيرة» في عهدها الذهبي انطلقت من علبة كبريت بحسب «أبو علاء»، ومن استوديو فقير، ليس أكثر من مائدة قد يلتف حولها ثلاثة مقاعد أو أربعة في برامجها، بحسب طبيعة البرنامج، إذا كان «الاتجاه المعاكس» أو «أكثر من رأي»، وما بين مقعد ومقعدين اذا كانت نشرة الأخبار!
كان القادم من القاهرة أن القناة الإخبارية الجديدة ستكون الأولى في المنطقة من حيث إنها وفق المعايير العالمية الحديثة، وقالوا إنها ستنطلق بهدف واحد وحيد هو منافسة قناة الجزيرة، وكنت مدركاً أنها ستتفوق عليها في الشكل لكن لا أحد ينافس الجزيرة، ليس لأن منافستها عملية صعبة، ولكن لأن ذلك يحتاج إلى إرادة سياسية من فولاذ، وهي إرادة غير متوفرة لدى أي نظام عربي، وكانت هناك محاولات بدأت منذ عهد ما قبل الربيع العربي وفشلت، و»النيل للأخبار» هي إحدى هذه المحاولات الفاشلة!
إنها الإمارات
والمدهش أن نظاماً يحجب عشرات المواقع، ويعتقل كثيرين لكتابة منشور على فيسبوك، وقد قرأت أن أحد المعتقلين لم يفعل أكثر من لايك على منشور للغير، ثم يُتصور أن لديه القدرة على أن يتبنى إعلاماً حراً، تماماً كما نستبعد أن ينتج الحوار الوطني هامشاً للحريات ولو محدوداً، في وقت بدا فيه صدر السيسي ضيقاً حرجاً لنقد تصميم جسر (طريق الساحل الشمالي)، وتحدث بنفسه مهاجماً الذين هاجموا هذا التصميم، فهل يُعقل أن يتصور إنسان تحت الأرض أو فوق الأرض أن هذا حاكماً قد ينحاز يوماً للحريات، والإعلام يحيا بالحرية ويموت بالقمع؟!
بعد الهنا بسنة، تبين أن الإمارات هي من تقف وراء مجموعة «دي إم سي»، وخلف القناة الإخبارية الجديدة، ودفعت لذلك عشرة مليارات بالعملة المحلية، عداً ونقداً، وبعد مرحلة الأستوديوهات، قيل لهم: «فركش»، فالمبلغ فيه الطمع وكفي ما أنفق على التجهيزات والتجريب، وبحسب المثل المصري «عمل الكُنزي للنزهي»، والكُنزي هو الذي يكنز الأموال، أما النزهي فهو النزيه الذي يقدم على انفاقها بثبات!
الإمارات لديها محاولات سابقة لمنافسة «الجزيرة»، كانت الأولى من خلال المدينة الإعلامية وعدد من القنوات، وكانت قناة «أبو ظبي» واعدة، لكنها تعثرت ثم ماتت بالحياة، بعد أن أصبحوا فيها من الزاهدين، ثم غيروا الاستراتيجية، لتكون المنافسة من مصر والتجارب بدأت مبكراً مع تجارب «الحياة» قبل الثورة، و»تن» بعدها!
وكان على الشركة المتحدة ومالكها الأول أن تتدخل لتطوير القنوات القائمة، وعندها «اكتسرا نيوز» إن لم يعجبها تطوير «النيل»، لكن من الواضح أن هناك زبوناً آخر سيخوض معه القوم نفس السياسية، يدفع لمنافسة الجزيرة، ثم يصدر القرار بعد فترة «فركش»، ويفوز باللذات كل مغامر!
هل يعقل أن تكون الإمارات؟ وأنها ستلدغ من جحر من مرتين؟!
أرض – جو
لم تهتم القنوات التلفزيونية بالثورة في سريلانكا، هل لأن البعيد عن العين بعيداً عن القلب؟!
لقد بدا ما حدث من اقتحام الشعب للقصر الرئاسي، وهروب الرئيس، مفاجأة للرأي العام في المنطقة، لأن القنوات العربية لم تهتم بتقديم الاحتقان لمشاهديها، بل لم تهتم بإبراز ما جرى من انتصار على أهميته وقوته، فكان الخبر الرابع في ترتيب الأخبار في «الجزيرة» في هذا اليوم!
وهو ترتيب ذكرنا بترتيب الثورة المصرية في يومها الأول، إذ كان هو الخبر الثالث، ومع ذلك فان أعداء «الجزيرة» يقدمونها، كما لو كانت هي التي حرضت على الثورات في العالم العربي، ولم تكن الثورات بفعل الإرادة الحرة للشعوب، التي تبنتها «الجزيرة»، ولا يمكن لأي وسيلة إعلامية جادة أن تتجاهل حدثاً مزلزلاً كالذي حدث!
إن ما حدث في سريلانكا، والأرجنتين، ودول أخرى إنما يؤكد أن الثورات هي إرادة الشعوب، وإن تأميم وسيلة اعلامية أو القضاء عليها بالمنافسة لن يحول دون إرادة الجماهير!
وسوم: العدد 989