شيرين أبو عاقلة والدفاع عن حقوق الانسان لدى أمريكا
طالما أعلنت الإدارة الأمريكية وعلى لسان الرئيس الأمريكي جو بايدن دعمها لحقوق الانسان، وتكرر هذا الموقف لدى الزيارة الأخيرة للرئيس الأمريكي للمنطقة قبل عدة أيام، في لقاءاته المتعددة مع حكومة الاحتلال والرئيس الفلسطيني والقادة العرب في السعودية.
ويبدو أن هذا الموقف الأمريكي من حماية حقوق الانسان والدفاع عنها، يخضع لمعايير مزدوجة كما هو موقفها السياسي من حق الشعوب في تقرير مصيرها وحقها في استقلالها السياسي.
وتجلى الموقف الأمريكي المحكوم بازدواجية هذه المعايير في قضية جريمة اغتيال الصحفية شيرين أبو عاقلة، فلسطينية الأصل والتي تحمل الجنسية الأمريكية.
فقد تجاهلت إدارة بايدن طلباً من أجل عقد لقاء بين الرئيس الأمريكي وعائلة شيرين أبو عاقلة، الصحفية الفلسطينية الأمريكية البارزة التي قُتِلَت برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي أثناء عملها الصحفي في مدينة جنين في الضفة الغربية المحتلة في مايو/أيار الماضي.
ووفقاً لجيك سوليفان، مستشار الأمن القومي الأمريكي، وأنطون أبو عاقلة، شقيق الصحفية، دعت وزارة الخارجية الأمريكية عائلة شرين أبو عاقلة لزيارة واشنطن، حسب ما نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية.
وكانت عائلة أبو عاقلة قد تحدثت في رسالة مفتوحة إلى الرئيس بايدن قبل وصوله إلى المنطقة، يوم الأربعاء الماضي 13 يوليو/تموز، عن "الحزن والغضب والشعور بالخيانة فيما يتعلَّق برد إدارتكم البائس على عملية القتل خارج نطاق القانون"، وطالبت بعقد لقاء حتى يتمكَّن الرئيس من "أن يستمع مباشرةً منا بشأن مخاوفنا ومطالبنا بالعدالة".
وقبل أيام من وصول بايدن إلى المنطقة، تزايد الغضب الفلسطيني بعدما خلُصت الولايات المتحدة إلى أنَّ أبو عاقلة على الأرجح قُتِلَت بالخطأ –غالباً بنيران إسرائيلية- وقالت إنَّها لن تضغط على إسرائيل لمتابعة تحقيق جنائي مع أي جندي إسرائيلي، وكان بعض الفلسطينيين يأملون على الأقل أن تدفع إدارة بايدن إسرائيل لإجراء تحقيق جنائي في مقتل أبو عاقلة. لكنَّ المسؤولين الأمريكيين أشاروا إلى أنَّ الحكومة الأمريكية من المستبعد أن تضغط من أجل محاكمة إسرائيلية. وشدَّد بيان من الخارجية الأمريكية على أنَّ واشنطن "لا مبرر لديها للاعتقاد" بأنَّ قتل أبو عاقلة كان "مقصوداً"، لكنَّه كان "نتيجة ظروف مأساوية".
وقال نيد برايس، المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، إنَّ الولايات المتحدة تريد أن ترى "درجة من المحاسبة" على عملية القتل، وأن يتخذ الجيش الإسرائيلي ضمانات إضافية من أجل المدنيين في المداهمات المستقبلية. لكن بعد الضغط عليه بخصوص مسألة المحاكمة الجنائية، قال برايس إنَّ إدارة بايدن "لن توجِّه أوامر" بشأن أي صورة بالضبط يجب أن يتخذها التحقيق الإسرائيلي.
وفي لقائه مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس حسم الرئيس الأمريكي موقفه من قضية اغتيال الشهيدة شرين أبو عاقلة، بأن تعهد بقيام الولايات المتحدة بدورها من أجل دعم تحقيق مستقل في مقتل الصحفية شيرين أبو عاقلة، في حين طالب الرئيس الفلسطيني محمود عباس بمحاسبة قتلتها، وقال بايدن -بمؤتمر صحفي مشترك مع عباس في بيت لحم- إن شيرين أبو عاقلة -وهي فلسطينية ومواطنة أميركية- قتلت بينما كانت تقوم بدورها في إعلام مستقل.
وهكذا حسم الرئيس الأمريكي بايدن الجدل والنقاش في قضية شرين أبو عاقلة، بتعهد أن تقوم الولايات المتحدة بدعم تحقيق مستقل في مقتلها، دون أن يحدد آليات التحقيق ومن سيقوم به، ودون أن يشير إلى دور قوات الاحتلال في مقتلها، على الرغم من إشارة تصريحات أمريكية سابقة أنه يعتقد أن الرصاصة التي قتلت شرين أبو عاقلة انطلقت من مواقع كانت تتمركز فيها قوات إسرائيلية.
وكانت وزارة الخارجية الأميركية قد أعلنت في الرابع من يوليو/تموز الجاري نتائج تحقيق أجرته حول حادث مقتل أبو عاقلة، وجاء فيه أنه لا يستطيع تحديد الجهة التي أطلقت الرصاصة التي تسببت في مقتلها. ورجحت واشنطن أن تكون شيرين أبو عاقلة قُتلت برصاصة جندي إسرائيلي، لكنها نوهت إلى عدم وجود دليل على أن القتل كان متعمدا.
هكذا يبدو موقف الولايات المتحدة الأمريكية من الدفاع عن حقوق الانسان التي طالما أكدته الإدارة الأمريكية وعبرت عنه في تصريحات متكررة للرئيس الأمريكي جو بايدن، ولكن إذا كان الأمر يتعلق بخرق حكومة الاحتلال الإسرائيلي لحقوق الانسان، كما هو الأمر في قضية اغتيال الصحفية شرين أبو عاقلة من قبل قوات الاحتلال، فان دفاع الولايات المتحدة عن حقوق الانسان يصبح ضعيفا بل منعدما، وهكذا تبدو المعايير المزدوجة لدى الولايات المتحدة في الدفاع عن حقوق الانسان، وتجريم من ينتهكون هذه الحقوق، ومحاسبتهم وتقديمهم للمحاكمة العادلة.
وسوم: العدد 989