بايدن المتصهين: لا حاجة لمدرجات بن غوريون
لعلّ بعض السذّج، أو المتغافلين عن سابق قصد، هم الذين كانوا بحاجة إلى تأكيد الرئيس الأمريكي جو بايدن بأنّ المرء ليس بحاجة لأن يكون يهودياً حتى ينتمي إلى الصهيونية؛ والأحرى القول إنّ خطبة سيد البيت الأبيض من مدرجات مطار بن غوريون كانت، في ذاتها، وثيقة انتساب صهيونية بامتياز، لأنه وقف على الأرض ذاتها التي اغتصبها دعاة الفكر الصهيوني العنصري الاستيطاني الميليشياتي الإرهابي.
كانت لفتة بارعة/ خبيثة، مع ذلك، أن يسارع رئيس حكومة الاحتلال يائير لابيد إلى تذكير بايدن بأنّ علاقة الأخير مع الكيان الصهيوني كانت «شخصية جداً على الدوام»؛ إذْ لم يكذّب الرئيس الأمريكي خبراً، فسارع إلى استذكار بعض المحطات في تلك الخصوصية الشخصية، والزيارات العشر التي تفاخر أنه قام بها منذ سنة 1973. وعلى سبيل تسجيل رقم قياسي بزّ به جميع أسلافه رؤساء أمريكا، تباهى بايدن بأنه سوف يكون أوّل رئيس أمريكي يقلع بطائرته من مطار بن غوريون إلى مطار جدّة في المملكة العربية السعودية.
ليست هذه هي المرّة الأولى التي تشهد إعلانات ولاء بايدن للصهيونية، ففي سنة 2007 حين كان مرشحاً رئاسياً عن الحزب الديمقراطي، نطق بالعبارة ذاتها التي سوف يستعيدها بعد 15 سنة، من مطار الاحتلال. وخلال مقابلة مع قناة «شالوم» تفاخر بايدن بأنّ ابنه متزوج من امرأة يهودية (ثلاثة من أبنائه في الواقع، وابنته بدورها متزوجة من يهودي). وفي سنة 2013، حين ألقى خطبة أمام الاجتماع السنوي لـ«لجنة الشؤون العامة الأمريكية – الإسرائيلية»، AIPAC، استذكر بايدن أحاديثه مع أبيه عن الهولوكوست على طاولة الغداء، فقال: «يومها تعلمت أنّ السبيل الوحيد لضمان ألا يتكرر أبداً، كان تأسيس وإقامة دولة إسرائيل اليهودية الآمنة». ومن موقعه كنائب للرئيس أطلق بايدن سنة 2014 التصريح الشهير: «لو لم تكن هناك إسرائيل، لتوجّب أن نخترعها»، و«تخيّلوا كيف تكون حالنا في العالم لو لم تكن إسرائيل موجودة. كم من حاملات الطائرات وكم من الجنود كنّا سننشر؟».
والحال أنّ هذا النزوع إلى التصهين، أياً كانت الصياغات والسياقات والأحقاب، سمة مشتركة مستقرّة في خطابات الغالبية الساحقة من رؤساء أمريكا بعد نشوء الصهيونية، ثمّ بعد أن اتخذت صفة الفلسفة الراعية لمشروع إقامة دولة يهودية على أرض فلسطين، وحتى حين انجرفت أكثر فأكثر نحو الخيارات العنصرية الصريحة؛ التي كانت وراء لافتة منظمة «بتسليم» في استقبال بايدن خلال جولته: «السيد الرئيس، أهلاً في نظام الأبارتيد». الأمثلة عديدة بالطبع، ولعلّ أكثرها بذاءة ما انطوى على مزاوجة الصهيونية بالطراز الأمريكي من الديمقراطية، أو حتى بالركن المعمداني الشهير حول «الحلم الأمريكي».
فإذا ما وُضع الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب جانباً، فإنّ الرئيس الأسبق باراك أوباما ذهب إلى درجة عقد ما يشبه العهد الشخصي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق بنيامين نتنياهو، سنة 2008؛ حين كان الأوّل محض مرشّح للرئاسة يزور إسرائيل، وكان الثاني زعيم حزب «ليكود» الطامح إلى هزيمة «كاديما». وعلى مدرجات مطار بن غوريون، دون سواه، انتحى أوباما ونتنياهو بعيداً عن الحشد، فقال الأوّل للثاني: «أنت وأنا نشترك في الكثير. لقد بدأتُ على اليسار وانتقلتُ إلى الوسط. وأنت بدأتَ على اليمين وانتقلتَ إلى الوسط. كلانا براغماتي يرغب في إنجاز الأمور».
وبالطبع، يشهد التاريخ على ما أنجزه ذلك الثنائي من «أمور»، لا يقوم بايدن (نائب أوباما الأسبق) بأكثر من استئنافها حتى من دون حاجة إلى مدرجات بن غوريون؛ مع فارق تسجيل نقاط سَبْق تبدأ من رحلة بن غوريون – جدّة، وتمرّ بإعادة تمليك جزيرتَي تيران وصنافير لصالح الأمن الإسرائيلي، ولا تنتهي عند تجاوزه واقعة مقتل جمال خاشقجي.
وسوم: العدد 989