عملية انتحارية مدمرة لـ”طبيبه الأردني” حولت مطاردة “سي آي إيه” للظواهري إلى انتقام شخصي
لندن – “القدس العربي”:
نشرت صحيفة “واشنطن بوست” تقريرا أعده جوبي واريك قال فيه إن واحدا من أحلك الأيام في تاريخ وكالة المخابرات المركزية (سي آي إيه) كان ذلك اليوم الذي قتل فيه سبعة عملاء بعد أن استدرجهم مخبر مارق إلى فخ مميت.
وقال الكاتب “ساعدت ذكريات كارثة عام 2009 في شرق أفغانستان، بالسنوات اللاحقة على تنشيط البحث العالمي لوكالة المخابرات عن إرهابي مراوغ يعتقد أنه لعب دورا رئيسيا في مقتل الضباط. وهو أيمن الظواهري، زعيم القاعدة الذي قتل يوم السبت، في غارة نفذتها سي آي إيه”.
ولم يرد في التصريحات الأمريكية الرسمية ما يصف مقتل الظواهري على أنه تعويض للخسائر الأمريكية في خوست، أفغانستان، قبل حوالي 12 عاما، إلا أن العديد من ضباط المخابرات السابقين والحاليين يقولون إن هذا هو بالضبط ما شعروا به.
وكما هي الممارسة المعتادة، لم تعترف علنا بلعب دور في إطلاق الصاروخ الذي أصاب الظواهري بينما كان يقف على شرفة منزل يقيم به في حي سكني بكابول، العاصمة الأفغانية.
ومنذ يوم الاثنين، أثار تأكيد وفاة المصري البالغ من العمر 71 عاما فورة عاطفية داخل مقر الوكالة في لانغلي بولاية فيرجينيا، وكذلك مع الزملاء السابقين والأصدقاء وأفراد عائلات أولئك الذين قتلوا أو جرحوا في عام 2009.
ونقلت الصحيفة عن مارك بوليمروبولوس، المسؤول السابق بقسم العمليات بسي آي إيه الذي خدم مع العديد من الرجال الخمسة وامرأتين من الوكالة قتلوا في كامب “تشابمان” وهي قاعدة تابعة لسي آي إيه في ضواحي خوست: “هذه لحظة شخصية بشكل لا يصدق”.
وكانت سي آي إيه تنفذ من تلك القاعدة مهمات سرية ضد مقاتلي القاعدة وطالبان. وبالإضافة إلى عملاء وكالة المخابرات المركزية السبعة، قتل أيضا ضابط مخابرات أردني كبير وسائق أفغاني.
ووصف بوليمروبولوس الوفيات في معسكر “تشابمان” بأنها “المثال الأكثر وضوحا على التكاليف المأساوية للحرب ضد الإرهاب”.
واحتفل العديد من مسؤولي وكالة المخابرات المركزية الحاليين والسابقين بنبأ وفاة الظواهري عبر منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي تشيد بضباط سي آي إيه ومسؤولي الفريق الأمني الذين لقوا حتفهم في هجوم خوست، وهو الأكثر دموية ضد الوكالة منذ مقتل ثمانية موظفين في تفجير في السفارة الأمريكية في بيروت عام 1983.
وكتب مدير وكالة المخابرات المركزية السابق والجنرال المتقاعد مايكل هايدن في منشور على تويتر: “تذكروا فقط أنهم أبطال”. وذكر هايدن، في مقابلة، أنه عمل مع ضابطتين من الضباط القتلى، إليزابيث هانسون وجينيفر ماثيوز، رئيسة قاعدة خوست، وكيف وصله خبر وفاتهم أثناء وجودهم في لانغلي، مقر سي آي إيه في يوم الهجوم. وقال هايدن: “خرجت إلى سيارتي وبكيت”.
ولم يعلق مدير سي آي إيه وليام بيرنز، ردا على سؤال من صحيفة “واشنطن بوست”، على تفاصيل العملية ضد الظواهري، لكنه قال إن الأحداث “شخصية للغاية بالنسبة لوكالة المخابرات المركزية”.
وقال بيرنز: “خلال مطاردة أيمن الظواهري، أودى هجوم وحشي بحياة سبعة من ضباط وكالة المخابرات المركزية في خوست في عام 2009. وبينما يظل الإرهاب تحديا حقيقيا للغاية، فإن التخلص من الظواهري يقلل من هذا التهديد ويوفر قدرا من العدالة”.
تم تأريخ دور الظواهري في عملية القاعدة المعقدة بشكل مذهل ضد قاعدة خوست في كتاب عام 2011 وتم وصفه أيضا في مقالات حول الهجوم.
والشخصية الرئيسية كان أردني الجنسية، همام البلوي، طبيب تعرض لمشاكل في بلده الأصلي لنشره رسائل مؤيدة للقاعدة على وسائل التواصل الاجتماعي. بعد استجوابه من قبل المخابرات الأردنية، تم إقناعه بأن يصبح مخبرا لمكافحة الإرهاب. في النهاية، وافق البلوي على السفر إلى باكستان لجمع المعلومات التي قد تساعد سي آي إيه في البحث عن أسامة بن لادن وغيره من كبار قادة القاعدة وطالبان.
وبعد اختفائه لعدة أشهر، ظهر البلوي على السطح في أواخر عام 2009 بادعاء مذهل: لقد أقام اتصالات رفيعة المستوى داخل مجتمع مقاتلي القاعدة المختبئين في المنطقة القبلية الخارجة عن القانون على طول الحدود الأفغانية الباكستانية.
كدليل على ذلك، بدأ البلوي في تقديم أدلة على تفاعلاته – بما في ذلك مقاطع فيديو على الهواتف المحمولة لكبار قادة القاعدة – إلى مسؤوليه الأردنيين، الذين نقلوا المعلومات إلى سي آي إيه. وكانت مديرية المخابرات العامة الأردنية تعمل بشكل منتظم مع نظرائها الأمريكيين في تتبع وإحباط العمليات الإرهابية في جميع أنحاء العالم، وقد تناقش البلدان عن كثب في قضية البلوي.
وحلول أواخر كانون الأول/ ديسمبر 2009، عبرت سي آي أيه عن رغبة سي آي إيه بمقابلة الجاسوس الأردني، مستشعرة بحدوث اختراق محتمل في بحث الوكالة الكسول منذ فترة طويلة عن بن لادن والقادة الإرهابيين الآخرين وراء هجمات 11 سبتمبر 2001.
مع تردد على ما يبدو، وافق البلوي على لقاء في قاعدة خوست. بعد ذلك، في خطوة ضمنت استقبالا حماسيا من الأمريكيين، ألقى بتفاصيل جديدة محيرة بشكل خاص: كان الطبيب يقدم الرعاية الطبية للظواهري، الذي كان الرجل الثاني في تنظيم القاعدة.
شارك البلوي بتفاصيل غامضة عن حالة الظواهري الجسدية، بما في ذلك أمراضه المزمنة المختلفة وندوبه من سنوات التعذيب في السجون المصرية. وتطابقت التفاصيل مع ما تعرفه سي آي إيه بالفعل عن الظواهري، ويبدو أنها تؤكد أن البلوي كان بالفعل على اتصال وثيق بنائب زعيم القاعدة.
وتم تحديد موعد الاجتماع في 30 ديسمبر 2009، حيث يخطط العديد من خبراء مكافحة الإرهاب التابعين للسي آي إيه الحضور.
وصل البلوي بالسيارة، وبسبب الحساسية الشديدة التي أحاطت بالاجتماع، أرجأت سي آي إيه أي عمليات تفتيش جسدية للمخبر حتى وصل إلى القاعدة.
كان البلوي في مهمة بالفعل، لكن ولاءه كان للقاعدة، وليس للأردن أو وكالة المخابرات المركزية. تحت عباءته أخفى قنبلة مصنوعة من متفجرات سي 4 القوية. بعد أن وصل على بعد أقدام من فريق سي آي إيه، فجر القنبلة.
أدى الهجوم إلى تحقيق مكثف ودفع بالعديد من التغييرات التشغيلية، بما في ذلك تعزيز ضمانات مكافحة التجسس. لم يتمكن مسؤولو الوكالة من تحديد المدى الكامل لتورط الظواهري في التخطيط لهجوم 2009، لكن على الأقل سمح لنفسه بأن يكون طعما لعملية معقدة مكنت المفجر الانتحاري من اختراق منشأة شديدة الأمان وسرية للغاية لوكالة المخابرات المركزية، بحسب ما قال المسؤولون الحاليون والسابقون.
لهذا السبب رأى الكثير في وكالة المخابرات المركزية موت الظواهري بمثابة العدالة، بعد سنوات من الانتظار.
يوم الثلاثاء، تم وضع نسخة مطبوعة من مقال في “واشنطن بوست” على قبر ماثيوز، رئيسة قاعدة خوست التي قتلت في عام 2009. عنوان المقال: “الولايات المتحدة تقتل زعيم القاعدة أيمن الظواهري في غارة بطائرة مسيرة في كابول”.
وظهرت الصورة في منشور على تويتر يوم الثلاثاء من قبل كريستين وود، ضابطة المخابرات المركزية السابقة التي عملت مع ماثيوز. وجاء في التغريدة: “نامي بسلام يا أختي”.
وسوم: العدد 992