الحقوق المالية لموظفي الخدمة المدنية

قراءة في القوانين العراقية

د. علي سعد عمران

مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية

يطلق على مجموع الأشخاص العاملين في الدولة ودوائرها مصطلح (الموظفون العموميون)، وهؤلاء تحكمهم نصوص قانونية عديدة تختلف من دولة لأخرى. وفي العراق يوجد قانون الخدمة المدنية رقم (24) لسنة 1960 المعدل الذي يعد الشريعة العامة التي تتناول أحكام الوظيفة العامة بالتنظيم، بالإضافة إلى وجود قوانين أخرى في هذا المجال، منها:

• قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم (14) لسنة 1991 المعدل.

• قانون الخدمة الجامعية رقم (23) لسنة 2008 المعدل.

• قانون الخدمة الخارجية رقم (45) لسنة 2008.

• قانون التقاعد الموحد رقم (27) لسنة 2006 المعدل.

وغيرها من القوانين , فضلاً عن وجود مجموعة من الأنظمة والتعليمات التي تعالج المركز القانوني للموظف في العراق.

 ويمكن تعريف الموظف العام بأنه كل شخص عهدت إليه وظيفة دائمة داخل ملاك الوزارة أو الجهة غير المرتبطة بوزارة.

 ومن المعلوم أن هناك جملة من الالتزامات التي أوردها المشرّع على عاتق الموظف لتحقيق دوام استمرار المرفق العام بانتظام واطراد، وهذا يقتضي أن توجد للموظف مجموعة من الحقوق التي توازن الالتزامات المفروضة على الموظف، وهي ما سنورده في الآتي:

أولاً/ الراتـــب: وهو مبلغ من المال يتقاضاه الموظف شهرياً وبصورة دورية مستمرة لقاء انقطاعه للعمل في خدمة الوظيفة التي يشغلها. ويستحق الموظف هذا الراتب من تاريخ مباشرته لمهام وظيفته وليس من تاريخ صدور قرار تعيينه فيها، ويبنى راتب الموظف وفقاً لقانون الخدمة المدنية، على أساسين مهمين وهما الشهادة الدراسية ومدة خدمة الموظف في وظيفته. ويجب التنبيه بأن الراتب المقصود به هنا هو الراتب الأساس الذي يصرف للموظف نتيجة شغله لدرجة وظيفية في سلم الدرجات الوظيفية المكون من عشر درجات والمنصوص عليها في قانون رواتب موظفي الدولة رقم 22 الصادر عام 2008. ويستحق الموظف هذا الراتب من تاريخ مباشرته لعمله الوظيفي لا من تاريخ تعيينه.

ثانياً/ المخصصـــات: وهي مجموعة مبالغ مالية يتقاضاها الموظف شهرياً أو خلال مدة معينة يحددها القانون، وتمنح إما على شكل مبالغ شهرية مقطوعة أو على شكل نسبة محددة من الراتب الأساسي للموظف، والمخصصات تمنح للموظف لتحقيق غايات معينة منهـا:

1. لتمكين الموظف من مواجهة المتطلبات الاقتصادية للحياة بما يكفل عيشه بمستوى مقبول اجتماعياً.

2. لتمييز الموظف عن غيره من الموظفين , لأن طبيعة عمله تحتاج إلى كفاءة علمية أو فنية غير مطلوبة في الوظائف الإدارية الأخرى.

ويمكن أن نذكر أهم المخصصات بالآتي:

1. المخصصات العائلية: وهي مبلغ يمنح للموظف الذي يتحمل أعباء مالية إضافية وتتمثل بمخصصات الزوجية والأولاد، وتصرف لأحد الزوجين إذا كان كلاهما موظفاً.

2. مخصصات الشهادة العلمية: وهي مبلغ مالي يمنح للموظف الحاصل على شهادة علمية معينة , وهذا المبلغ يتدرج صعوداً بنسبة من الراتب الأساسي بالنسبة للموظف الحاصل على الشهادة الابتدائية وحتى شهادة الدكتوراه في اختصاص معين.

3. مخصصات التفرغ الجامعي والعلمي: وتمنح عادةً لبعض ذوي الاختصاصات النادرة لقاء تفرغهم للعمل العلمي أو البحثي كأعضاء الهيئات التدريسية في الجامعات والمعاهد أو الباحثين العلميين.

4. مخصصات منع مزاولة المهنة: وتمنح للبعض من الموظفين الذي يحملون شهادات علمية جامعية معينة وذلك عندما يمنعهم القانون من ممارسة مهنهم خارج أوقات الدوام الرسمي ليتفرغوا كلياً للعمل الوظيفي كالمهندسين والصيادلة والأطباء الأخصائيين.

5. مخصصات الموقع الجغرافي: وهي تمنح للموظفين الذين يكون مقر عملهم الدائم في الوحدات الإدارية أو القرى أو الأرياف أو المناطق النائية.

6. مخصصات الأعمال الإضافية: وتمنح للموظف عند تكليفه بالعمل أكثر من الساعات المقررة لأوقات الدوام الرسمي كتعويض عن الجهد الإضافي الذي يبذله الموظف في أوقات راحته. وقد حدد قانون رواتب موظفي الدولة والقطاع العام بضرورة أن لا تزيد عدد هذه الساعات عن الثلاث ويتم صرفها بتعليمات يصدرها وزير المالية.

7. مخصصات الخطورة: وتمنح للموظف عندما يقرر القانون أن وظيفةً ما ترافقها خطورة معينة لذا تمنح للموظف الذي يشغل هذه الوظيفة.

8. مخصصات المنصب الوظيفي: وتمنح عندما يكون الموظف مكلفاً بإشغال منصب وظيفي معين كـ (رئيس قسم، مدير دائرة، معاون عميد، عميد... الخ). وهي تحتسب بنسبة مئوية معينة من الراتب الأساسي للموظف.

ثالثاً/ العلاوة السنوية والترفيع والترقية: وسنوضح كل منها في فقرة مستقلة:

1. العلاوة السنوية: وهي عبارة عن مبلغ مقطوع من المال يمنح للموظف على راتبه الأساسي إذا قضى سنة خدمة في وظيفته، ينتقل بعدها إلى المرتبة التالية في داخل درجته الوظيفية. ولكل درجة وظيفية حدد القانون إزاءها مبلغاً مالياً كزيادة أو علاوة تمنح سنوياً للموظف عند تحقق ما ذكر في أعلاه، ويستمر الموظف بأخذ العلاوة حتى يصل راتبه إلى الحد الأعلى للراتب المقرر لدرجته الوظيفية.

2. الترفيع: هو انتقال الموظف من الدرجة الوظيفية التي كان يشغلها في سلم الدرجات الوظيفية إلى الدرجة التي تليها، كأن ينتقل الموظف من الدرجة السابعة إلى السادسة ومن السادسة إلى الخامسة وهكذا. ويترتب على هذا الانتقال زيادة ملحوظة في راتب الموظف. ولا أثر للترفيع على المركز أو العنوان الوظيفي المتمتع به الموظف، كما أن لا علاقة للترفيع بالمهام الإدارية التي يباشرها الموظف.

هذا ويشترط لترفيع الموظف جملة شروط نص عليها قانون رواتب موظفي الدولة والقطاع العام رقم (22) الصادر عام 2008 وكما يلي:

‌أ. وجود وظيفة شاغرة في الدرجة الأعلى ضمن الملاك الوظيفي للدائرة.

‌ب. إكمال المدة المقررة للترفيع المنصوص عليها في سلم الدرجات الوظيفية. كأن تكون إكمال أربع سنوات أو خمس سنوات.

‌ج. أن يكون الموظف مستوفياً للشروط والمؤهلات اللازمة لإشغال الوظيفة المرشح للترفيع إليها.

‌د. ثبوت قدرة وكفاءة الموظف على إشغال الوظيفة المراد ترفيعه إليها بتوصية من رئيسه الإداري المباشر ومصادقة الرئيس الإداري الأعلى.

وعلى أية حال فإن المادة (9/ 1) من قانون رواتب موظفي الدولة والقطاع العام قد توقعت تعذر ترفيع الموظف إلى الدرجة التالية لدرجته أو منحه العلاوة السنوية لوصول راتبه إلى الحد الأعلى المقرر لدرجته الوظيفية فجوزت المادة المذكورة الاستمرار بمنح الموظف العلاوات السنوية للدرجة التالية لدرجته وترفيعه عندما تتوافر درجة وظيفية شاغرة أعلى من درجته، ويعتبر هذا الترفيع حاصلاً من تاريخ الاستحقاق حسب نص المادة (7) من القانون المذكور ليبدأ حساب مدة ترفيع جديدة.

3. الترقيـــة الوظيفية: وهي إسناد وظيفة إلى الموظف أعلى من الوظيفة التي كان يشغلها في السلم الإداري تكون فيها مسؤولياته وصلاحياته أكثر من تلك التي كان مكلفاً بها كالترقية من معاون ملاحظ إلى ملاحظ وإلى رئيس ملاحظين، والترقية من معاون مدير إلى مدير، والترقية من رئيس قسم إلى عميد وهكذا.

ومن حيث المبدأ العام فإن الترقية في المناصب الإدارية لا يترتب عليها أية زيادة في الراتب من حيث المبدأ العام، إلا أن قانون رواتب موظفي الدولة والقطاع العام قد قرن الترقية الوظيفية بزيادة في الراتب عموماً.

ونظم الترقية تعتمد على أسس متعددة وفقاً لطبيعة عمل الموظف وكالآتي:

‌أ. على أساس الأقدمية.

‌ب. على أساس القدرة والكفاءة.

‌ج. على أساس الجمع بين الأقدمية والقدرة والكفاءة.

 وبذلك يتضح أن الترقية (التي هي تغيير العنوان الوظيفي) مستقلة عن الترفيع (الذي هو انتقال الموظف من درجة إلى أخرى أعلى ضمن سلم الدرجات الوظيفية) ولا تلازم بينهما.

 غير أن المشرّع العراقي عندما عالج شروط الترفيع نلاحظ انه قد خلط ما بين الترقيـة والترفيـع بالمفهوم المتقدم وذلك في قانـون رواتـب موظفـي الدولـة والقطاع العام رقم (22) لسنـة 2008.

رابعاً/ الإجـــازات: وهي أحد الحقوق التي أقرها النظام القانوني للوظيفة العامة في العراق للموظف، وخلالها يعد الموظف مستمراً في خدمته فضلاً عن استحقاقه عنها راتبه ومخصصاته ما لم تكن الإجازة بدون راتب أو بجزء من الراتب. والإجازات التي يستحقها الموظف على أنوع منهـا:

1. الإجـازة الاعتياديـة: وفقاً للمادة (43) من قانون الخدمة المدنية فإن للموظف إجازة لمدة يوم واحد عن كل عشرة أيام خدمة فعلية، ويجوز تراكم هذه الإجازة لمدة (180) يوماً على أن لا يمنح الموظف لكل مرة أكثر من (120) يوماً براتب تام، والإدارة ليست ملزمة بمنح الإجازة في أي وقت يطلبها الموظف بل لها سلطة تقديرية في ذلك رعايةً لسير المرفق العام، ولكن لا يجوز للإدارة أن تستمر برفض منح الإجازة لأي موظف لأكثر من ستة أشهر.

هذا ويستحق الموظف عند إحالته إلى التقاعد رواتب الإجازات المتراكمة لحد (180) يوماً وما زاد عن ذلك فيضاف إلى مدة خدمته التقاعدية.

2. إجازة الحمل والوضع: وهي إجازة تستحقها الموظفة الحامل وأمدها (73) يوماً براتب تام على أن تتمتع بما لا يقل عن (21) يوماً منها قبل الوضع.

3. إجازة الأمومة: وهي الإجازة الممنوحة للأم بعد الوضع وأمدها سنة كاملة، ستة أشهر براتب تام وستة أشهر أخرى بنصف راتب، أما إذا كانت الموظفة قد ولدت توأم فتمنح إجازة أمومة أمدها سنة براتب تام.

4. الإجازة المرضية: قد يصاب الموظف بمرض يمنعه من أداء عمله لمدد مختلفة لذا أجاز المشرّع منح الموظف إجازة مرضية براتب تام لمدة (30 يوماً) عن كل سنة كاملة من الخدمة وإجازة مرضية بنصف راتب لمدة (45 يوماً) خلال السنة، ومع جواز تراكم الإجازات المرضية اشترط المشرّع أن لا تتجاوز الإجازة المرضية عن كل حالة (120 يوماً) براتب تام ويليها (90 يوماً) بنصف راتب على أن لا يتجاوز مجموع الإجازات المرضية خلال الخمس سنوات التي تسبق انتهاء الإجازة المرضية (180 يوماً) براتب ومثلها بنصف راتب. أما إذا منح الموظف كل الإجازات الاعتيادية والمرضية التي يستحقها ولا يزال مريضاً فيجوز منحه إجازة بدون راتب لمدة أقصاها (180 يوماً) فإذا لم يكن في استطاعته بعد انقضائها، استئناف عمله فيحال إلى التقاعد. وقد استثنى المشرّع من هذا الحكم حالة الموظف المصاب بمرض مستعصي أو مزمن فقد أجاز منحه إجازة مرضية براتب تام لمدة أقصاها سنتان وبعدها إن لم تتحسن حالته فيحال إلى التقاعد، أما إذا استلزم علاج الموظف المريض مدة طويلة فقد أجاز المشرّع منحه إجازة مرضية براتب تام لمدة أقصاها (ثلاث سنوات) وبعدها يحال إلى التقاعد إن لم يتمكن من استئناف عمله.

5. إجازة المصاحبة الزوجية: يجوز للوزير منح الزوج الموظف الذي يرغب بالالتحاق بزوجه خارج العراق استحقاقه من الإجازات الاعتيادية براتب تام وما جاوز ذلك بدون راتب إذا كان الزوج طالب بعثة أو زمالة دراسية أو موظفاً يعمل في خارج العراق أو موفد بمهمة رسمية لمدة سنة فأكثر، أو طالباً يواصل دراسته في الخارج على نفقته الخاصة أو مريضاً يتلقى علاجه خارج العراق.

6. الإجازة الدراسية: أجاز المشرّع للوزير أو من يخوله منح الموظف إجازة دراسية براتب تام إذا كان الموظف يحمل شهادة جامعية أولية أو عليا وأكمل سنتين في وظيفته بخدمة فعلية لإكمال دراسته داخل أو خارج العراق للحصول على شهادة أعلى.

هذا وإن جميع القرارات الإدارية الصادرة في مجال حقوق الخدمة المدنية تكون قابلة للطعن أمام محكمة قضاء الموظفين (مجلس الانضباط العام سابقا) إذا مست المركز القانوني للموظف وكانت معيبة. وهذا الاختصاص مقرر للمحكمة المذكورة بموجب المادة (59/1) من قانون الخدمة المدنية وكذلك أكد عليه قانون التعديل الخامس لقانون مجلس شورى الدولة ذي الرقم 17 لسنة 2013 المادة (5/تاسعا - أ) ولكن ضمن السقوف الزمنية المحددة قانوناً، حيث يجب على الموظف المعني رفع دعواه أمام المحكمة خلال ثلاثين يوماً من تاريخ تبليغ الموظف بالقرار الإداري الماس بحقوقه الوظيفية إذا كان الموظف داخل العراق، وخلال (ستين يوماً) إذا كان خارج العراق. والقرار الصادر من محكمة قضاء الموظفين ملزم للحكومة ويقبل الطعن به تمييزاً أمام المحكمة الإدارية العليا خلال (ثلاثين يوماً) من تاريخ التبليغ بقرار محكمة قضاء الموظفين، والقرار الصادر من المحكمة الإدارية العليا باتاً وملزماً. كذلك يكون باتا وملزما القرار الصادر من محكمة قضاء الموظفين ولم يطعن به تمييزا أمام المحكمة الإدارية العليا والحكم ذاته ينطبق على القرار الإداري غير المطعون فيه نهائيا.

* أكاديمي عراقي، باحث مشارك في مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية