سلسلة من أيامي 16.. لباس أساتذتي
"جَلاَبِيَة" أستاذتي السّنة الثّانية ابتدائي:
كانت أستاذة اللّغة العربية تلبس "جَلاَبِيَة"، والتي كانت يومها موضة العصر. والأستاذة طويلة القامة، وزادتها "الجَلاَبِيَة"، هيبة وجمال وجلال، وهي العزباء التي تتبختر في السّاحة وبين الصفوف ، وفي عنفوان شبابها، ونحن الأطفال الصغار في السّابعة من أعمارنا، وبتاريخ سنة 1973.
جينز الأستاذة الروسية:
درست في السنة الثّانية متوسط مادة الرياضيات لدى الأستاذة الروسية braigane (لاأعرف بالضّبط كيف يكتب اسمها)، سنة 1979. وكانت تلبس طوال العام سروال جينز من النوع الردئ، وحذاء شتوي من نوع. مايدلّ على الحالة الاجتماعية والاقتصادية الصّعبة التي كان يمرّ بها سكان الاتّحاد السوفياتي يومها.
أستاذة العلوم الطبيعية بن نقعوش:
وفي نفس السنة 1978-1979، أي السنة الأولى أو الثّانية متوسط، كانت أستاذة العلوم الطبيعية بن نقعوش، وهي بنت أحد أثرياء الشلف يومها، تلبس أفخر اللّباس، وأغلاها، وتغيّر لباسها الجميل الغالي يوميا -أقول يوميا-.
وحين تدرّس في الفترة الصباحية والفترة المسائية، تأتي مساء بلباس آخر غير اللّباس الغالي الجميل الذي لبسته صباحا. وكانت عزباء، وفي غاية الجمال.
الأستاذة حاج بن علي:
درست اللّغة الإنجليزية، في السّنة الرّابعة متوسط سنة 1981، أي عام واحد بعد زلزال الأصنام 10 أكتوبر 1980، لدى الأستاذة حاج بن علي -فيما أتذكر-، بحي البساتين les vergers، وفي البنايات الجاهزة بعد انهيار عمارات حي البساتين. وكانت تلبس حذاء طويلا ومدبّب من آخرته يشبه المسمار الحادّ الطويل، وقد رزقت الطول والعرض، ومن شدّة ضغطها على رجليها أثناء المشي بين الصفوف، واستعمال الدوران المتعمّد الذي يدلّ على الأناقة والرشاقة وإظهار الجمال، كانت مؤخرة الحذاء تنغرس عدّة مرّات في البناية الجاهزة، مايسبّب لها مشاكل في نزعه، ولفت أنظار التّلاميذ، وتعليقاتهم.
الأستاذة الفرنسية:
- درست في الثّانوية، مادة الرياضيات لدى الأستاذة الفرنسيةmadame leduc. وكانت أيّام المطر والوحل، تلبس الحذاء الشتوي، من البيت الذي لم يكن يبعد عنها كثيرا إلى الثانوية بالشرفة، وكان من البنايات الجاهزة، وبعدما تصل الثانوية تلبس الحذاء الثاني المخصّص للقسم ولخرجاتها العادية. وكانت الوحيدة في الثّانوية من بين الأساتذة، والإداريين، والتّلاميذ التي يظلّ حذاؤها نظيفا نقيا، لايحمل ذرّة من وسخ أو وحل. وكنّا جميعا ودون استثناء، أحذيتهم كلّها وحل، ومن كثرته وفظاعته يخيّل القسم، أنّه بستان تمّ حرثه وليس قسم.
- ذات مرّة، كان الجو ربيعي، وفي ولاية الشلف يبدأ الصيف من أيّام الربيع. وحين ارتفعت الحرارة قليلا، وأظنّها السّاعة الحادية عشر -فيما أتذكر-، تراجعت الأستاذة إلى الخلف، وتركتنا مع السّبورة نعالج التمرين، إذ بها وفجأة تخلع القميص الثّاني الذي كان تحت المئزر، ودون أن يشعر أحد بذلك، ثمّ وضعته في المكتب، ورفضت أن تنزعه أمامنا احتراما وتقديرا.
- ذات مرّة، صعدت تلميذة للسّبورة لتحلّ التمرين، وبينما هي تحلّ التمرين، إذ بشعرها ينحلّ، وخشيت أن يظهر، فتوقفت عن مواصلة حلّ التمرين، وراحت تلم شعرها حتّى لايظهر. فتفطنت الأستاذة الفرنسية لذلك، وطلبت منها أن تتوقف عن حلّ التمرين، وطلبت منها أن تلم شعرها بهدوء، ودون انزعاج احتراما وتقديرا لعادات المجتمع الجزائري.
- وكان للأستاذة لباس خاص بالثانوية والقسم، أي اللّباس العادي الذي يشبه لباس المرأة الجزائرية على العموم، ولا تلبس أبدا فوق الركبة، بل دائما لباسها تحت الركبة وأكثر. وفي أثناء عطلة الأسبوع السبت والأحد، وأيّام العطل حين لاتسافر، تلبس لباس "الخَرٌجَة"، والمتمثّل عادة في سروال، وقميص، وشعر مجموع أي "غير مَطْلُوﭫْ" كما تفعل أيام الدراسة. وأيّام إجراء الحصص الرياضة تلبس الملابس الرياضة، رفقة زوجها، وأساتذة فرنسيين آخرين عبر حديقة التسلية بالشرفة، الشلف.
الأستاذ الفرنسي:
درست في الثّانوية اللّغة الفرنسية عند زوجها leduc، وكان يلبس باستمرار سروال من نوع la toile، وهو الوحيد الذي يلبس هذا النوع من اللّباس. وجماله، وأناقته في بساطة لباسه، حتّى كان يظهر أجملهم، وأحسنهم أناقة لبساطة لباسه، لكنّه يحسن وببراعة اختيار نوع القميص المناسب لنوع السروال.
الأستاذ الهندي:
درسنا اللّغة الإنجليزية لدى أستاذ هندي، في سنة واحدة فقط، وكانت ملابسه قديمة رثّة بالية. تدلّ على الحالة الاجتماعية الرّثة التي كانت تعيشها الهند يومها. ولم يستفد منه أحد، والحصّة كلّها للضحك والنكت.
الأستاذ بن عبورة:
درست مادة التّاريخ والجغرافيا لدى الأستاذ بن عبورة، وكان مهتما بلباسه ومئزره غاية الاهتمام، ونفس التنظيم والانضباط الذي كان يميّزه طيلة سنوات عمله، انعكس ذلك إيجابا على نظافة لباسه، وثمنها الغالي، وأناقته الراقية، وتغييرها يوميا وباستمرار. وكان فعلا، الأستاذ عبورة يجذب التّلميذ بصرامته، وأناقته، ولباسه.
الأستاذ الشاوي رحمة الله عليه:
درست اللّغة العربية بالمرحلة الثّانوية لدى الأستاذ الشاوي رحمة الله عليه، فكان لباسه جديدا، وثمينا، وفي غاية الأناقة. وكان يغيّر ملابسه باستمرار، وقد رزق جمال الصورة، وكمال الجسد، لكن الموت أخذه وهو في ريعان شبابه.
أستاذي الجيلالي اليابس رحمة الله:
وفي الجامعة، أي سنوات 1986-1990، فقد كان أستاذي الجيلالي اليابس رحمة الله عليه، والذي قتل غدرا أثناء العشرية الحمراء. أفضل جميع الأساتذة، والإداريين، والطلبة من حيث اللّباس. فقد كان يغيّر لباسه الغالي جدّا بشكل يومي وباستمرار. وكان يغيّر الطقم كلّه، بما فيه الحذاء والمحفظة، بحيث يتناسب لونها مع لون السروال وربطة العنق وكلّ الطقم.
ورزق أستاذي الجيلالي اليابس الطول، والأناقة، والرشاقة، وإتقانه البارع في استعمال الألوان، وفي التحكم في اختيار الألبسة الغالية الثمن، والبالغة الجمال. وأعترف أنّ مظهره الخارجي أثّر في كثيرا، بالإضافة إلى علمه، وتمكنه، وتحليله.
أستاذي وليد عبد الحي أمدّ الله في عمره:
أمّا فيما يخصّ أستاذي وليد عبد الحي، فكان يكتفي باللّباس العادي أي الطقم العادي، الذي لايثير الانتباه. وواضح أنّه ليس بالغالي الثمين. لكن تمكّنه، وتميّزه، وتفوقّه على الجميع ودون استثناء في الأداء، والعلم، والمعلومة، والمراجع والتحليل، جعلت التلميذ يذكره ويشيد به، ولو كان لباسه عادي جدّا.
وسوم: العدد 994