الجمعيات الأهلية الفلسطينية بين فضح الأبارتيد والتضامن الخجول
الرد البليغ والمشرّف على قرارات سلطات الاحتلال العسكرية الإسرائيلية بإغلاق مقار 7 جمعيات أهلية فلسطينية كان استمرار تلك الجمعيات في أداء عملها الجوهري، المنشغل برصد جرائم الاحتلال اليومية بحق الشعب الفلسطيني والمنخرط في فضح الانتهاكات اليومية التي تمارسها مختلف أجهزة دولة احتلال استعمارية لم يعد يميزها عن نظام الأبارتيد إلا التفوق في السياسات العنصرية والتمييزية والتعسفية الخارجة عن أبسط معايير العرف الإنساني والقانون الدولي.
صحيح أن اتساع حملات التضامن الدولي أخذ يفضح المزيد من زيف الادعاءات الإسرائيلية حول ذرائع إغلاق مؤسسة فلسطينية تعنى بالحقوق العامة أو أخرى تهتم بمصالح الزراعة أو ثالثة تتابع قضايا المرأة أو الطفل أو الصحة أو الأبحاث والدراسات. وهذه حال الموقف المشترك الذي صدر عن سفراء 17 دولة أوروبية وانطوى على تأكيد مواصلة التعاون مع المؤسسات الفلسطينية والاستمرار في دعمها. لكنه على إيجابيته يقوم بواجب الحد الأدنى، إذ يُشار إلى أن عدداً غير قليل من الدول الأوروبية كانت قد تعاطت مع قرارات الاحتلال العسكرية بإغلاق 6 من هذه المؤسسات الأهلية الفلسطينية، وذلك منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2021 ولم تعد إلى مواصلة العلاقة مع تلك المؤسسات إلا في 12 تموز/ يوليو هذه السنة.
من جانبه لم يجد المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية ما يقوله سوى أن الإدارة تتواصل مع دولة الاحتلال “على مستوى عال”، وستراجع ما يُقدم إليها وتتوصل إلى استنتاجها الخاص. فاضح أكثر أن وزير الخارجية الأمريكي لن يبحث هذا الأمر إلا مع مستشار الأمن القومي الإسرائيلي، في تأكيد على أن إغلاق المؤسسات الأهلية الفلسطينية ليس انتهاكاً حقوقياً أو مدنياً أو سياسياً سافراً بل أقرب إلى تدبير أمني ليس أكثر.
موقف مقابل أكثر وضوحاً صدر عن 11 منظمة حقوقية أمريكية ضمن رسالة إلى الرئيس الأمريكي ووزير خارجيته، جاء فيها بالحرف: “يُفهم تقاعس الحكومة الأمريكية عن انتقاد انتهاكات إسرائيل الحقوقية، مع الاستمرار في تزويدها بالدعم العسكري والسياسي المنقطع النظير، على أنه قبول أمريكي بهذه الإجراءات، ويمنح الحكومة الإسرائيلية شعورا بأن بإمكانها قمع المجتمع المدني الفلسطيني بلا عقاب”. وإلى جانب “هيومان رايتس ووتش” التي وقعت على الرسالة، كانت منظمة حقوقية عريقة أخرى هي “منظمة العفو الدولية” قد اعتبرت قرارات الإغلاق القرار بمثابة “اعتداء على الحركة الدولية لحقوق الإنسان”.
وصحيح أخيراً أن السلطة الوطنية الفلسطينية عبرت عن وقوفها إلى جانب الجمعيات الأهلية التي أغلقها الاحتلال وحرص رئيس الوزراء الفلسطيني على التعبير عن تضامنه شخصياً واعتبارياً، إلا أن المطلوب من أجهزة السلطة السياسية والعسكرية والأمنية يتوجب أن يتجاوز الرفض والاستنكار إلى اتخاذ إجراءات ميدانية تصون حقوق تلك المنظمات مثلما تحفظ كرامة السلطة بالنظر إلى أن المكاتب تقع في رام الله والبيرة الخاضعتين للإدارة الفلسطينية بموجب اتفاقيات أوسلو.
وقد لا يكون من مهام الجمعيات الأهلية الفلسطينية تبيان الفارق بين فضح طبائع نظام الأبارتيد الإسرائيلي وبين التضامن الخجول، فثمة أشغال أكثر جدوى وإلحاحاً تنتظرها، في كل بقعة من أرض فلسطين المحتلة.
وسوم: العدد 994