إذا كان حاكي الكفر ليس بكافر فحاكي التاريخ ليس بآثم
يحدث بين الحين والآخر أن تصدر عن البعض تصريحات لا تعدو أن تكون سردا لبعض الحقائق التاريخية إلا أنها تتسبب في غضب، و تدمر، واستياء البعض الأخر لمجرد أن تلك الحقائق التاريخية قد حل محلها واقع آخر مع أن ذلك لا يسوغ شطبها من سجل التاريخ .
وللمرة الثانية يثير موضوع حدود بلدنا في فترات تاريخية ضجة كبرى ، ذلك أنه بعدما تعرضت شخصية سياسية لهذا الموضوع في وقت سابق ، عادت إلى التطرق إليه شخصية في المجال الدين ، ومع اختلاف ظرف تناولهما للموضوع ، واختلاف وجهتي نظرهما ، فإن ردة الفعل تجاه ما صدر عنهما كانت واحدة حيث تعرضا لانتقاد من طرف جهات اعتبرت موقفهما مساسا بسيادة بلادهم .
وبعيدا عن تصويب أو تخطئة موقف الرجلين والحكم عن خلفيته، فإن ما يدعو إلى الاستغراب في هذه القضية هو القلق بشأن تجريم أو إدانة طرق موضوع حقائق تاريخية ،علما بأن التاريخ عبارة عن ميراث إنساني لا يملك أحد أن يلغيه أو يطمس حقائقه سواء كانت سارة أو كانت محزنة .
و معلوم أن كل أمم المعمور لها تاريخ هو عبارة عن أحداث جرت في حيز جغرافي معلوم . والتاريخ قد سجل كل الأحداث التي جرت في بلدنا المغرب عبر فترات زمنية ،وضمن حدود له كانت تتسع وتضيق حسب الظروف . ومعلوم أن كل المغاربة تلقوا في فترات دراستهم المختلفة دروسا في مادة التاريخ تتعلق بأحداث وطنهم ، وبما كانت عليه حدوده الجغرافية التي شهدت تلك الأحداث ، وقد كانت تمتد شرقا، وشمالا، وجنوبا ، ولو لم يكن المحيط الأطلسي موجودا غربا لامتدت فيه أيضا . ولا ندري هل يكون كل من مدرسي التاريخ ومن يلقن لهم من متعلمين آثمين حين يستعرضون ما كانت عليه حدود وطنهم في فترات تاريخية مضت .
وما دام حاكي الكفر ليس بكافر كما هو حال من يتلو قول الله عز وجل على لسان فرعون : (( فحشر فنادى فقال أنا ربكم العلى )) ، فإن حاكي التاريخ ليس بآثم أيضا ، ولا يعقل أن يدان ويتهم ، وينكر عليه ما يحكيه عن التاريخ ، وهو غير مسؤول عما يحكيه، تماما كما أن حاكي قول فرعون ليس مسؤولا عنه .
وليس من المعقول، ولا من المقبول أن يغضب جيران المغرب إذا ما استعرض المغاربة حدود وطنهم في فترات تاريخية مضت، وهي حدود قد تغيرت لظروف قد سجلها التاريخ أيضا .
وليس المغرب بدعا من بلاد الله التي سجل تاريخها تغييرات في حدودها ، وهي تدرس ذلك لناشئتها دون أن يعتبر مساسا بسيادة غيرها.
وما لا يقبله المغاربة قيادة وشعبا ،هو أن تستهدف حدوده الحالية بذريعة أنها قد تغيرت عما كانت عليه في فترات تاريخية سابقة ، وهي ذريعة غير مقبولة ، ومردودة على أصحابها ،ومن يتذرعون بها من خصوم وحدتنا الترابية شأنهم شأن الساحر الذي ينقلب عليه سحره ،لأنهم إن طالبوا بتقليص حدودنا الحالية والاقتطاع منها ،طالبنا بدورنا بتمديدها إلى ما كانت عليه بشهادة التاريخ الذي لا يمكن أن يطمس ، ولا يمكن أن يأثم ويدان من يحكيه .
وسوم: العدد 994