ما وراء قصف عماد أديب من منصة إطلاق الصواريخ «تن»؟!
لم تكن مصادفة، أن يكون القصف بصواريخ «أرض – جو» لعماد أديب، من قناة «تن» الإماراتية، بعد مقاله «14 سبباً لسقوط الحكام والأنظمة»، ولم تكن مصادفة أن تعقد في القاهرة قمة، بحضور الإمارات، والبحرين، والأردن، والعراق، ولا يدعى لها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان!
إنني لا أستبعد بعد نشر هذه السطور، أن يحل محمد بن سلمان ضيفاً على القاهرة، وأن تبذل مساع لتحقيق هذا الهدف، لا سيما وأن الهدف من القمة هو أن تكون رسالة غير مباشرة لأهل الحكم في المملكة السعودية، فوصلت الرسالة إلى الناس، ولا سيما أيضاً أنني عندما كتبت هنا في الأسبوع الماضي، أن العلاقة بين السيسي والإمارات ليست على ما يرام، كانت «القمة الخماسية»، وتزامنت مع حملة أمنية كبيرة لإخلاء جزيرة الوراق من سكانها، تمهيداً لتسليمها للمشتري، والذي رسم خططه لإقامة مدينة سكنية على النيل، حيث موقع الجزيرة الاستراتيجي، والجانب الإماراتي لا يصدق أن أهل الحكم في القاهرة لا يستطيعون إخلاء الجزيرة، ولكنهم يماطلون، ربما لإعادة بيعها لهم مرة ثانية!
النائحة المستأجرة.. لمن؟أ
مما قلته إن الحديث عن قناة إخبارية جديدة في مصر، والترويج أن السعودية هي من ستمولها هي رسالة للإمارات، التي ترى أن الإعلام في القاهرة هو اختصاصها، ومجالها الحيوي، وقد استعدت لهذا مبكراً منذ إطلاق شبكة قنوات «الحياة» من القاهرة. ومنذ الإعلان عن هذه المحطة التلفزيونية الاخبارية، لا حس ولا خبر، لأنها ليست أكثر من رسالة معروفة العنوان، وليس هذا هو الوقت المناسب للحديث عن قناة إخبارية من القاهرة تمولها السعودية، وقد غادر تركي آل الشيخ القاهرة، ولم يسلم الأمر من «مكايدة» قامت بها الشركة «المتحدة»، بحفل لمطلقته المطربة الصاعدة أمال ماهر، بعد اختفاء، تردد أن وراءه آل الشيخ، وإن كان نقيب الموسيقيين سبق له نفي ذلك مع تصاعد الحملة، وقبل الحفل الساهر، الذي جرى الترويج له على أن مصر انتصرت لشرفها!
الحفل كاشف وليس منشئاً عن أن العلاقة بين القاهرة والرياض ليست على ما يرام، وعندما يتم الحديث عن تمويل السعودية لقناة إخبارية، فإنها رسالة للحبيب الأولي، وكما قال الشاعر: نقل فؤادك حيث شئت من الهوى، ما الحب الا للحبيب الأول.. أو كما قال!
ما علينا، فعندما يكتب عماد أديب مقاله «14 سبباً لسقوط الحكام والأنظمة»، فليست مصادفة أن من يكلف بالهجوم عليه هو قناة «تن»، وعندما يصفه مالك القناة على الورق نشأت الديهي، بشكل غير مباشر بـ «النائحة المستأجرة»، فان المنطق أن نسأل في هدوء: من المقصود بـ «النائحة»؟ ومستأجرة لمن؟!
فهذا الوصف الذي أطلقه الديهي كان في سياق الهجوم على عمرو أديب، ولم يطلقه من فراغ، لا سيما وقد جرد أديب من أن يكون «نائحة ثكلى»، يتحرك بدوافع الخوف على النظام المصري، فليس صاحب مصلحة في سقوطه، تماماً كما دعا إلى الخروج الآمن لنظام مبارك، وغضب للتزوير، الذي حدث للانتخابات البرلمانية الأخيرة في عهده، وقال في برنامج «صباح دريم» إن ما جرى أفزعه، وأن هذا التزوير انتقص من فرص الخروج الآمن للنظام، وهو الذي سبق له أن أدار مقابلة دعائية لمبارك في انتخاباته الرئاسية الأخيرة قبل خمس سنوات، وقد كانت موضوعاً لأكثر من مقال لي هنا في هذه الزاوية «فضائيات وأرضيات»، لكنه كان يرى أنه نظام وصل لمحطته الأخيرة، وينبغي أن يغادر في هدوء، ولم يكن هنا معارضاً، لكنها كانت نصيحة المحب، الذي يخشى على مصالحه المعرضة للخطر في حال رحيل النظام عن طريق الثورة أو الفوضى!
هذا إذا نفينا عنه «الشعور الوطني»، للإفلات من حكم جماعات «التكفير والهجرة» التي انتقلت بعد الانقلاب من المعسكر الديني، إلى المعسكر السياسي، فصار الحكم، إن لم تكن خيراً خالصاً فأنت شر مطلق، وما دام عماد أديب لم يكن ضد الانقلاب العسكري، فلا يمكن أن يكون مدفوعاً البتة بحب الوطن. لا عليك من هذا، اعتبره أنه يرى أن مصالحه ومصالح الوطن واحدة، واعتبره – كذلك – أنه يريد ادعاء الموضوعية، وأن يمثل دور الحكيم!
ولهذا وفي ليلة الانتخابات الرئاسية الأخيرة لمبارك، وقد استضاف شقيقه عمرو أديب وجارته بالجنب «نيرفانا ادريس»، المرشح المنافس أيمن نور، وكانت فرصة لاستباحته في هذا اللقاء، كانت المداخلة التالية من عماد بطلب منه واستنكر على شقيقه وجارته ذلك، واعتبره ضد تقاليد الإعلام وتجاوزا لا يليق، لقد كان يمثل يا سيدي، فدوافعه في الحقيقة ليست موضوعنا، فالموضوع هو اتهامه من منصة إماراتية بـ «النائحة المستأجرة»!
ليس في بطن الديهي
ليطرح السؤال نفسه من جديد: «مستأجرة لمن؟»، والمعنى ليس في بطن الديهي، فعندما قال هذا، كان يدرك أن الرسالة ستصل إلى المشاهد بأسرع من البرق، فعماد محسوب منذ أن كان شاباً حديث التخرج على «الإعلام السعودي»، في وقت كان فيه السادات يتهم فيه هذا الإعلام بأنه يهاجم مصر، بعد هجومه على زيارته لإسرائيل!
ولم تكن الخيارات ضيقة أمام عماد أديب، فقد كان أمامه أن يكون من الجيل الجديد من الصحافيين الذي يصنعه السادات على عينه، وهو الذي أجرى عندما كان طالبا في كلية الاعلام وزميله عمرو عبد السميع حواراً مع السادات لمجلة الكلية «الطلبة»، وكان صحافياً واعداً، قادراً على تكرار تجربة مصطفى أمين، لكنه تحول لرجل أعمال في الأخير، ففشل كصحافي، بعد نجاحات سريعة ومتتالية، كما فشل في كل مشروعاته الأخرى كرجل أعمال!
والمهم هنا أنه في كل مشروعاته كان محسوباً على السعودية، إلا في فترة قصيرة من تاريخ جريدته «العالم اليوم»!
وهنا نكون قد وصلنا لـ «بيت القصيد»، والوصف بأنه «نائحة مستأجرة» يحمل في طياته أن كتب مقاله مدفوعاً بإملاءات سعودية، لكن الملاحظ هنا أن ضيفي المنصة الإماراتية المحسوبين على النظام المصري، هاجما المقال، وعاتبا الكاتب، باعتباره ابن الدولة المصرية، لكن من أخذ الحوار بعيداً هو نشأت الديهي، المالك على الورق للمنصة الإماراتية «تن»، وهو ما تحديناه في السابق أن ينتقد موقف الإمارات من موضوع سد النهضة، فالرسالة الإماراتية لمجلس الأمن كانت افساداً لخطة النظام المصري باللجوء الى المجلس، وقد طالبت الإمارات بإحالة الموضوع الى الاتحاد الإفريقي باعتباره جهة الاختصاص.
وهذا الكتاب الاماراتي عزز من تأكيد أن العلاقة بين القاهرة وأبو ظبي ليست على ما يرام، ولا تستطيع القمة الأخيرة أن تبرر لماذا فعلت أبو ظبي ذلك؟ ما دام القوم تجمع بينهم «المشاورات الأخوية» وهو الاسم الذي طالب أهل الحكم الإعلام المصري أن يلتزموا به بدلا من وصف «القمة» رفعا للحرج، بعد أن بدت الرسالة ملفتة للغاية، مع أن لقاء خماسياً حدث في العقبة في مارس/ آذار الماضي، لم تدعو اليه السعودية أيضاً، مما يعطي دلالة أن حلفاً تشكل في المنطقة، لا سيما وأن الاستبعاد شمل الكويت أيضاً، فاذا تشكل حلف جديد فيه قطر رداً على هذا الحلف، فالموضوع لن يكون جيداً، ويتجاوز فكرة ارسال الرسائل، لا سيما تقديم بن زايد باعتباره صاحب الدار في «العلمين» ليستقبل مع السيسي المشاركين للقاء التشاوري الأخوي!
وقمة «العلمين» ليست الموضوع، فمنصة إطلاق الصواريخ الإماراتية في القاهرة، ذهبت بمقال عماد أديب بعيداً، فأعلن على الفور أنه لا يقصد النظام المصري، فعندما يكتب: «حاكم يعطي امتيازا خاصاً استثنائياً لجهاز سيادي..» فهل يقصد حاكم جُزر القُمر؟!
«الليالي من الزمان حبالى.. مثقلات يلدن كل عجيب».
وسوم: العدد 995