أبناؤُنا ... وطلب العلم

لا يجهل أحد مكانة العلم في أي عَصر وفي أيِّ مِصر . وما للعالم والمتعلم من فضل  ومكانة أيضا في الدنيا والآخرة ، وتتعدد الآيات القرآنبة والأحاديث النبوية التي تحث على طلب العلم ، فالعلم يدل الخلق على خالقهم ، وإنما يخشى العلماءُ ربَّهم لأنهم عرفوا عظمةَ الخالق سبحانه وتعالى : ( إنما يخشى اللهَ من عباده العلماءُ ) . ولأن للعلم كل هذه الأهمية والمكانة علينا أن نغرس في نفوس أبنائنا وبناتنا حب العلم ، وأن المعالي لاتكون إلا لصاحب العلم ، ونلفت نظر أبنائنا إلى بعض عناصر التوفيق والنجاح التي لابد منها لطالب العلم ، ولنيل ثمراته الطيبات .

فطالب العلم من أبنائنا عليه أن يحسن الظن بربه ، وأن يرى أن طلبه للعلم عبادة يُثابُ عليها كسائر العبادات ، وأن يقبل على مواطن التعليم بنشاط وحيوية ، في مراحل التعليم ، أو المساجد ، أو في حلقات العلم ، أو في أي مكان ، وأن لايتأخر عن المواعيد ، وأن يلتزم بآداب طالب العلم ، وأن لايؤجل عمل اليوم إلى الغد، فالتسويف والتأجيل في هذا الباب لايأتي بخير . وأن لايصغي لوسوسة شياطين الجن والإنس كرفاق السوء ، فهم يفصدون جلال طلب العلم وروحانيته ، بل ربما يُخرجون طالب العلم من بيئته إلى بيئة أخرى حيث الضياع والتبار . وعلى طالب العلم أن يقارن بين مكانة أهل العلم في مجتمعهم ، وبين أولئك الذين هجروا مدارسهم ، وعافوا محاسن أخلاقهم ، وانساقوا خلف الأهواء الرخيصة . فذات الإنسان (الطالب هنا ) تسمو بإيمانه وأخلاقه وعلمه ، وتعمل هذه العناصر على تكوين شخصيته ، فيكون الإنسان الواعي الذي عرف قيمة الحياة ، وبمَ تُـدارُ هذه الحياة ؟!

والحرص على طلب العلم ، وسعي الأسرة على تعليم أبنائها وبناتها ، وتوفير وسائل ومتطلبات الدراسة لهم ،  ثم النجاح في مراحل التعليم ، لهي من واجبات ولي أمر الأسرة ، من خلال الإرشاد الأسري ، وتحبيب طلب العلم للأولاد منذ نعومة أظفارهم . والحرص أيضا في هذه المرحلة من عمر الطالب على تربيته التربية الصالحة ، التي تبعده عن رفاق السوء ، وعن التصرفات السيئة ،  ومن هنا يأمن الشاب في المرحلة التالية من فترة  المرحلة الابتدائية ، وهي بداية مرحلة المراهقة الأولى من التفلت وعدم الطاعة ومن القلق والتوترات ، وما إلى ذلك من مؤثرات ماجدَّ في هذا العصر ، وانعكاسات أثر وسائل التواصل الممقوتة التي قد تنقل الشاب الناشئ من عالم الطهارة والأخلاق الفاضلة إلى عالَم الموبقات والعادات السيئة ، التي تفقده بلا شك قدرته على التركيز ، وعلى حفظ المعلومات واستيعابها ، وعلى قدرته على مواصلة نيل العلم والرقي على مدارج المعالي . ولا يخفى على المربين في المدارس أهمية التوجيه السديد لطلابهم ، وحثهم على الجد والاجتهاد ، ويذكرونهم بمكانة علمائنا ومفكرينا ، وأنه من طلب المعالي فعليه أن يسهر الليالي . ومن جدَّ وجد ، ومَن سار على الدرب وصل .  كما يُذكَّر الطلاب بأن المستقبل الجميل المميز يستحق هذه الجهود ، وأن مايجنيه من حقول العلم وبساتين المعرفة من ثمرات هي أغلى وأحلى مايتطلبه شاب اليوم ورجل المستقبل ، خدمة لنفسه وأهله ، ورفعة لوطنه وأمته التي مازالت تباهيها بعلمائها الذي وضعوا أسس الحضارات القائمة اليوم .

ولقد كتب الكثيرون في هذا الموضوع ، والأمل أن يغير الناس مفاهيمهم الخاطئة عن سبل النجاح لأولادهم ، فالأولاد يملكون المواهب والطاقات ، والقدرة على الحفظ ما يمكنهم من التغلب على أي العراقيل التي قد تعترض مشوارهم الكريم هذا . وتكون مساعيهم كلها إيجابية بنَّاءة ، ولا مكان للسلبيات القبيحة عندهم ، فحب الخير وحب العمل والطمع الجميل بالنجاح ونيل ماتصبو إليه النفوس يحثهم على مضاعفة الجهود ـ ويضمحل أمام إصرارهم مايسمون بالحظ بدون سعي وبدون مواظبة وإصرار .

وهنا يأتي دور الإيمان بالله ، والتوكل عليه ، واجتناب المعاصي ، وأن يعلم مَن يعيش في ظلال العلم والتعليم أنه في عبادة ، وأنه في بيئة يرضى عنها ربُّـه سبحانه وتعالى ، ولقد وردت آيات كريمات وأحاديث شريفات في شأن العلم وطالبي العلم ، وما لهم من مكانة عند الله في الآخرة ، إضافة إلى مكانتهم الدنيوية ، فالشعور بمعية الله عـزَّّ وجلَّ  تمنح طالب العلم قوة وقدرة واندفاعا .

وأما رعاية الجيل وهو في طور التعليم فتقع مسؤوليته بعد الأسرة على المربين الأجلاء في مراحل التعليم للبنين وللبنات ، فهم الذين يوجهون ، وهم الذين يكتشفون أصحاب المواهب والقدرات ، وهم الآباء الروحانيون لطلابهم ، وهم القدوات الذين يأخذ عنهم الأبناء المزايا العاليات والصفات الفاضلة ، وهم الذين يضعون هذه الأمانة الغالية أمام المسؤولين ، ليتم الوصول إلى المراحل الأخيرة من الإعداد ، ووضع هؤلاء الشباب والشابات في أمكنتهم التي تليق بهم في دوائر المجتمع .

ويبقى لمثل هذا البحث مكانه الرحب في حياة الناس ، وفي تفكيرهم ، وله مكانته في المكتبة الإسلامية الكبرى التي تضم آلاف المجلدات ، وآلاف الأسماء التي يتلألأ أصحابها وكأنهم مصابيح الدجى في مجتمعاتهم على مـرِّ الحقب التاريخية التي تشهد لهم بالفتوحات العلمية الباهرة . فالقراءة والتبحر في محيطاتها ، والكتابة وانتضاء الأقلام ومدادها لتدوين أنواع العلوم والمعارف ، لهي مفخرةٌ للفرد وللأمة ، وفيها أجلُّ الفوائد ، مع مايشعر أصحابها بالمتعة وهم يمارسون نشاطاتهم في رحابها التي تزدهي في كل الفصول .

إضاءة :

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5) كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى (7) إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى (8) أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى (9) عَبْدًا إِذَا صَلَّى (10) أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى (11) أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى (12) أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (13) أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى (14) كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ (15) نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ (16) فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ (17) سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ (18) كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (19)

وسوم: العدد 995