المحسوبون عندنا على الإسلام وهواهم علماني متعصبون للمتحول على حساب الثابت في شرع الله عز وجل
من المعلوم أن شرع الله عز وجل وعلى رأس مصادره القرآن الكريم، وسنة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم ، تحكمه ثنائية الثبات والتحول . والراسخة أقدامهم فيه يملكون من العلم والخبرة ما يؤهلهم للتمييز فيما هو ثابت فيه وما هو متحول ، بينما من يرفضونه إما عن جهل مطبق به أو عن تحامل عليه يعوزهم هذا التمييز، ولهذا يميلون كل الميل إلى ترجيح كفة المتحول على كفة الثابت بحيث يمكن أن نسمي ذلك هوسا منهم بالمتحول في كل آفاق الحياة مقابل إقصاء الثابت منها ، وهذا ما يجعلهم ينادون بإقصاء شرع الله عز وجل من الحياة جملة وتفصيلا ، ويعتبرونه مجرد متحول قد مر زمانه وانتهى ، وحل محله متحول آخر جديد هو العلمانية .
ويمكن أن نمثل لتعاملهم مع شرع الله عز وجل وفق هوسهم بالمتحول من خلال مطالبتهم على سبيل المثال لا الحصر بتعطيل الثابت في المواريث لتصير متحولا ، وبذلك تحصل في نظرهم مساواة في الإرث بين الأنثى بالذكر ، وحجتهم في ذلك أو بالأحرى ذريعتهم أن وضع الأنثى في المجتمع اليوم قد تحول عما كان عليه ، ولم يعد ثابتا كما كان . وعلى غرار هذا المثال يتعاملون مع كل ثوابت شرع الله عز وجل قصد الوصول في نهاية المطاف إلى تعطيلها كليا كي تخلو الساحة لتحولاتهم العلمانية ، وهو سوء فهم عندهم وسوء تقدير.
ومعلوم أن شرع الله عز وجل يعتبر إنسانية الإنسان ثابتا من الثوابت ، وما يطرأ على ما حوله مجرد متحولات . ونتحدى من يقول بأن إنسانية الإنسان في الماضي البعيد هي غير إنسانيته في هذا العصر ، أوفي كل العصور القادمة إلى نهاية العالم .
إن أصحاب النظر إلى المتحولات في حياة الإنسان ،يجعلونه هو نفسه خاضعا للتحول في ذاته وهويته ، وهذا ما جعلهم يصلون إلى حد المطالبة بحريته في التحول الجنسي، لأنه في نظرهم لا يجب أن يكون جنسه محكوما بالثبات كما هو في شرع الله تعالى . وهكذا تبدو دعوتهم إلى تغليب التحول في كل الآفاق متهافتة ،ومثيرة للسخرية ، ولتوضيح ذلك نشير إلى أن الإنسان الآن عند العلمانيين حين يركب السيارة أو القطار ، أو الطائرة أو مختلف المراكب العصرية ... ليس هو الإنسان الذي كان في الماضي يركب الخيل والبغال والحمير ، وهكذا يكون في نظرهم التحول في الرّكوب بالضرورة تحولا في الراكب . ويقاس على الرّكوب السكن أيضا حيث يعتبر عندهم تحول سكن الإنسان من خيام وأكواخ ... إلى ناطحات سحاب تحولا في الساكن أيضا بالضرورة . ويقاس على الرّكوب والسكن عندهم كل ما يتحول من حال إلى حال من الأشياء في حياة إنسان هذا العصر، وهذا ما يولد لديه عقدة التفوق حين يقارن نفسه مع إنسان الماضي أو حتى مع إنسان يعاصره ، ويتقاسم معه العيش في هذا العالم لكن يعمد وجهة نظر مغايرة حيث يميّز بين ما هو ثابت فيه و ما هو متحول فيما يحيط به في حياته أو بتعبير أوضح وأدق ثباث إنسانيته وتحولات ما يحيط به من أشياء دون الوقوع في فخ تشيّئه كما هو الشأن بالنسبة للعلمانيين فيما يخص دعوتهم إلى ما يسمونه حرية تحوله جنسيا.
ومما يدعو العلمانيون إلى تحوله أيضا القيم الأخلاقية مع إنكار الثابت منها لأنهم يقيسونها على ما يطرأ على الأشياء من تحول وهو قياس خاطىء ، وهكذا صارت عندهم القيم التي طبيعتها الثبات متجاوزة ، وهم يحاربونها ، ويدعون إلى قيم متحولة بديلة عنها، وبهذا تصيرعندهم القيم الأخلاقية الإسلامية متجاوزة ، لهذا يتطرفون أشد الطرف في الدعوة إلى ما نسميها تجاوزا قيما، وهي في واقع الأمر نقضا للقيم الأخلاقية أو بتعبير أدق هي تهتك ،واستهتار بمنظار القيم الأخلاقية الإسلامية ، ويكفي أن نمثل لذلك بما يسمونه علاقات جنسية رضائية ومثلية ، ولذلك يستهجنون شرع الله عز وجل الرادع لهما بعقوبات ، ويطالبون بتعطيله ، وإحلال تشريعهم الوضعي محله، والذي يسمح بهما بل أكثر من ذلك يجرّم من ينكرهما أو يجرمهما .
ويمكن أن نستشهد على دعوة العلمانيين إلى إقصاء شرع الله عز وجل مما يسمونه حياة مدنية أو لا دينية بآخر ما كتبه العلماني المدعو أحمد عصيد تحت عمود كتّاب وآراء في موقع هسبرس في مقال تحت عنوان " لماذا فشلنا ؟ " ،وقد عدّد فيه ما سماه أسباب الفشل في شتى المجالات عندنا حتى انتهى إلى ما سماه فشل النظام التربوي فقال :
(( رسخنا التضارب في مضامين النظام التربوي وأغرقناها في التناقضات القاتلة بين “التربية على المواطنة” التي بنيت على الفكر المعاصر، و”التربية الدينية” التي بنيت على الفقه القديم الذي ينتمي لعصر آخر غير عصرنا. مما انعكس على شخصية المتمدرسين وألقى بهم في أتون من القلق والتناقضات والتمزق الهوياتي )).
وهذا مثال واضح على مطالبته بإحلال التربية على المواطنة والمبنية على ما سماه فكرا معاصرا محل التربية الدينية المبنية على الفقه الذي نعته بالقديم وبالمنتمي إلى عصر آخر ، وهو يرى أن الخلط بين التربيتين هو سبب ما سماه التمزق الهوياتي الذي يلقي بالمتمدرسين في أتون القلق والتناقضات . ويفهم من قوله أنه يريد إقصاء التربية الإسلامية ليخلو الجو لما سماه تربية على المواطنة ، وهي في نهاية المطاف تربية علمانية يدعي أنه بها يتحقق الالتحام الهوياتي ، وتزول التناقضات في النظام التعليمي ، ويتخلص المتمدرسون من أتون القلق .
وفي الأخير نقول إن العلمانيين ما لم يقروا بثانية الثابت والمتحول في شرع الله عز وجل ، فإنهم لن يدركوا حقيقته أبدا ، وسيظل تعاملهم معه سطحيا وفجا ، وهو ما جعلهم يطالون بإقصائه واستئصاله لأنه لا يوجد عندهم سوى طرف واحد في ثنائية الثابت والمتحول ، وهو التحول فقط ، ولا شيء غير التحول الذي قد ينتهي في نظرهم إلى مرور الإنسان من تحول جنسي إلى تحولات أخرى لا ندري كيف ستكون في المستقبل .
وسوم: العدد 998