طفلك الموهوب... كيف تتعامل معه؟
"ابني أجمل الأولاد، وهو أذكى أبناء الناس"
نسمع مثل العبارة كثيراً، من آباء وأمهات، فنعلم أن أحكامهم هذه نابعة من حبهم لأولادهم، وليست ناشئة عن تقويم موضوعي. ولكن أين التقويم الموضوعي؟!
وهل يتيسَّر- إلا لنخبة ضئيلة من الناس – أن تعرض أطفالها على مختصين تربويين في مقاييس الذكاء وسمات الشخصية الأخرى؟! وإذا لم يكن ذلك متيسّراً، فهل من معايير عملية تقريبية يسترشد بها الوالدان، ليكتشفوا مواهب أولادهم أولاً، ثم يعملوا على توجيهها وتنميتها؟!
خلق الله تعالى الإنسان، ومنح كل فرد من المواهب البدنية والعقلية والنفسية ما يميّزه من الآخرين. وبهذا التوزيع والتمايز تتفاعل البشرية وتتقدم، وتتقاسم المهمات بين أفرادها. فهذا قوي البِنْية ذو هيكل عظمي متين، وعضلات بارزة، وذاك ذو نظر حادّ وسمع مُرْهَف، وآخر قوي الذاكرة، ورابع سريع البديهة، حاضر النكتة... وكل واحد من هؤلاء ميسَّر لإنجازات خُلق لها.
وإذا نظرنا إلى المواهب العقلية، وما يرتبط بها من سمات نفسية، استطعنا – ولو نظرياً – أن نميز بين نوعين من الموهبة:
النوع الأول يرتبط بمستوى الذكاء العام الذي يقترن عادةً، بلون أو أكثر، من ألوان الذكاء الخاص، كالذكاء اللغوي، والذكاء الميكانيكي، وقوة الذاكرة، والقدرة على التحليل والاستنباط...
والنوع الثاني يتسم بالومضات والإشراقات والمفاجآت والتأملات، فهو يكتشف ويبتكر، ويولّد الأفكار، ويأتي بالجديد.
وقد يختلط الأمر فلا نستطيع بسهولة أن نميز بين النوعين، وبخاصة عند الأطفال، فكثيراً ما يكون الطفل مبتكِراً، إذ يكتشف بعض الأمور الغامضة، ويصل إلى حلول مفاجئة لبعض المشكلات، ويسأل أسئلة محرجة تدل على تأملات فريدة... لكن معظم هذه الأمور تكون نسبيّة، بمعنى أنها غامضة أو مفاجئة من حيث صدورُها عن طفل، وإلا فإنها معروفة لدى الكبار، وهي إذاً – بحسب اصطلاح علماء النفس – تصنّف في دائرة الابتكار، ولا تقع في دائرة الإبداع الذي يعني التوصل إلى الجديد الذي لم يُسْبَق إليه. لكن الابتكار، إذا كان سمة ظاهرة متكررة لدى الطفل (أو الكبير)، فإن سمات الإبداع لا تكون بعيدة عنه.
أصحاب الذكاء العالي
يغلب على الأذكياء أسلوب التفكير المتقارِب أو اللامّ، فهم يحسنون الحفظ والتعلم السريع والاستنباط، ويتكيفون مع المجتمع وأعرافه وقوانينه، ومع المناهج المدرسية العامة، أو مع أصول العمل في مهنة أو حِرْفة أو لعبة رياضية... أي إنهم يتفوقون على أقرانهم في البيت أو المدرسة أو المختبر أو العمل المهني أو النقابي...
المبدعون
أما المبدعون فقد يكونون، أو لا يكونون، من أصحاب الذكاء العالي والتفوق المدرسي، ولكنهم يفكّرون بطرق خاصة بعيدة عن المألوف (وهو ما يسمى بالتفكير التباعدي أو التشعُّبي)، وقد يصطدمون مع أعراف المجتمع وقيمه وأنظمة المدرسة والعمل المهني... وكثيراً ما يصفهم أساتذتهم بأنهم متخلفون عقلياً، أو شاذون نفسياً!! ولعل توماس أديسون صاحب الاختراعات الهائلة، هو أنموذج فذّ لهؤلاء، فقد حكم عليه أساتذته بالغباء، لما كانوا يلاحظون عليه من شرود في قاعة الصف، ومن إجابات غريبة على أسئلتهم...
كيف تكتشف موهبة ولدك؟!
الطفل الموهوب يكون لديه حب الاستطلاع نامياً، فهو يسأل عن أشياء كثيرة قد لا يعرف الكبار إجابات عليها، أو يعرفون ولكن الإجابة لا تناسب سن الطفل، فقد يسأل: كيف يُخَزَّن النشيد في شريط التسجيل (الكاسيت)؟ وأين يذهب ضوء الشمعة عندما تنطفئ؟ ولماذا مات جدّي؟ ولماذا ينكسر الصحن الزجاجي الحار إذا وُضع على سطح الرخام البارد؟!...
عندما يطرح ولدك أسئلة كهذه، فهو مؤشر على موهبته، وعليك أن تهتم بهذه الأسئلة ولا تقابلها بالضحك والسخرية، بل حاول أن تشرح له بقدر ما تسعفك به قدراتك وظروفك ومستوى طفلك، أو اعتذر له بأنك لا تعرف الإجابة الآن وستحاول الحصول عليها في المستقبل، أو أن الإجابة تحتاج إلى شرح طويل وإلى معلومات سيحصّلها تدريجياً يوماً بعد يوم، وأنك ستقدّم له بعض الشروح لاحقاً بإذن الله.
وعندما تجد ولدك يحاول أن يكتشف بعض الأمور بنفسه فدَعْه يُكْمل عمله، ويمكن أن تساعده كذلك، إلا إذا كان في عمله ضرر واضح، كأن يعبث في مفاتيح الكهرباء أو في مواد سريعة الاشتعال... وعندئذ امنَعْه عن الاستمرار، وبيِّن له المخاطر التي يمكن أن تلحق به وبالبيت والمجتمع.
إذاً، لاحظْ تصرفات طفلك، وشجّعه على البحث، واحترم أسئلته، وكن متوازناً حيال ذلك، فلا تستخفّ به أو تسخر منه، ولا تبالغ في تقديره والثناء عليه، بل اجعله ينمو معرفةً واكتشافاً، من غير قمع ولا غرور أو تفاخر!.
واعلم أن الطفل يشعر بالإحباط عندما يقابِل الكبارُ أسئلته وابتكاراته بالإهمال والتجاهل... وهو لا يلتمس لهم أعذاراً في مواقفهم هذه، بل ينتظر منهم، في أقل تقدير، بسمةً حانية، وكلمة تشجيع عابرة، وجلسة حوار قصيرة... فلا تبخل على ابنك بهذا كلما أمكنك.
وعندما تجد طفلك قد حفظ سورة من القرآن الكريم، أو حديثاً نبوياً، أو قصيدة شعرية، أو عَمِلَ على تفكيك بعض الألعاب أو تركيبها أو إعادة تشكيلها، أو قام بتمثيل بعض الأدوار بنجاح، أو حاول نظم أبيات من الشعر، أو تمكّن من التمييز بين أشياء وأمور متشابهة... فاعلم أن لديه موهبة تستحق الرعاية.
كيف توجّه موهبة ولدك
عندما تكتشف شيئاً من مواهب ولدك، فإليك هذه النصائح:
1- أظهِرْ لولدك الاهتمام بموهبته، ولا تقابله بالاستخفاف مهما خالط هذه الموهبة من سلوكات فجّة أو ساذجة. بل شجّعه على ما في موهبته من خير، وانصحه من خلال الحوار، كي يشذِّب عمله من الخطأ، وذكّره أن هذه الموهبة منحة من الله تعالى تستحق الشكر.
2- لا تَدَعِ الغرور يتسرّب إلى نفسه، بل اجعل تشجيعك إياه مترافقاً مع كلمات تحافظ على توازنه. قل له، مثلاً: "هذا جيد، وهو يبشّر بمستقبل زاهر بإذن الله، وهناك أولاد كثيرون عندهم تميز في هذا المجال أو مجالات أخرى. عليك أن تتابع بحثك وقراءتك حتى تكون متفوقاً. المتفوقون يبذلون جهوداً متواصلة حتى يطوّروا إمكاناتهم. من الجيد أن تتعاون مع إخوتك وزملائك حتى يساعدوك..."
3- استشر بعض المختصين في الجوانب التي تلحظ فيها تميّزاً عند ولدك، فلعلهم يرشدونك إلى طرق ووسائل وكتب... تعينك على تنمية موهبة طفلك، أو تعين طفلك على تطوير نفسه.
مثلاً: اكتشف أحد الآباء أن طفلته استمعت إلى سورة (يس) بضع مرات فحفظتها غيباً!! وعندئذ وجَّهَها إلى تنمية هذه الموهبة، فحفظت القرآن الكريم كاملاً وهي لم تبلغ العاشرة من عمرها.
4- هيّئ لولدك من الظروف والرفقاء والأدوات... ما يعينه على تطوير موهبته في الطريق الصحيح، فمصاحبة الموهوبين تنمي الموهبة، ووجود الكتب وبرامج الكمبيوتر المرتبطة بجانب التميّز... يعين على مزيد من التميّز.
5- اسأل الله أن يحفظ أولادك، وأن يهديهم سواء السبيل، وأن يزيدهم علماً ونجاحاً وتوفيقاً.
وسوم: العدد 999