الاحتفال بمولد الرسول الأعظم بين إنكار المنكرين وغلو المغالين ورشد الراشدين
ألفنا كلما اقتربت مناسبة ذكرى مولد الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم أن نلحظ تتباين مواقف ثلاثة من الاحتفال بها نجملها فيما يلي :
1 ـ موقف المنكرين الذين يتوسعون في فهم وتعريف البدع توسعا لا دليل عليه لديهم حيث يخلطون بين ما يعتبر بدعا وما هو ليس كذلك كما يقول أهل العلم من الراسخة أقدامهم فيه ،علما بأن تعريف البدعة لغة هو كل أمر مخترع على غير مثال سابق مما يستحدث من أقوال أو أفعال سواء كان ذلك في الدين أو غيره ، أما اصطلاحا ، فهي كل ما أحدث من أمور في الدين سواء كانت حسنة أو قبيحة .
وإطلاق البدعة دون تقييد غالبا ما يراد به المذموم من المحدثات في الدين ، وهو في تعريف العلماء كل ما استحدث في الدين مما لا يدل عليه دليل شرعي من كتاب وسنة وإجماع واستدلال معتبرعندهم ، وهو ما لا يدخل تحت المبادىء والقواعد العامة للإسلام .
وقد قسموا البدعة إلى مذمومة ، وحسنة ، ومنهم من فصّل في أقسامها كالعز بن عبد السلام رحمه الله تعالى، فجعلها خمسة أقسام : واجبة ، ومحرمة ، ومندوبة ، ومكروهة ، ومباحة تماشيا مع التكاليف الشرعية الخمسة ، وضربوا أمثلة لكل قسم ،فمثلوا للواجبة بتدوين الفقه والعلوم المساعدة على فهم كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، ومثلوا للمحرمة بكل ما يندرج تحت ما حرم الله عز وجل ، ومثلوا لها بمذاهب الفرق التي استحدثت بعد عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، كما مثلوا للمندوبة باستحداث المدارس والمعاهد ، وصلاة التراويح ، و الكلام والجدل للضرورة ، ومثلوا للمكروهة بزخرفة المساجد ، وتزويق المصاحف ... وربما اختلف حديثهم مع قديمهم في ذلك حيث يرونه من قسم المباح لأنه مما تصان به المساجد والمصاحف ، ومثلوا للمباحة بالتوسع فيما أحل الله تعالى من أكل وشرب .
وإذا ما عرضنا الاحتفال بمولد رسول الله صلى الله عليه وسلم إن كان اجتماع الناس لغاية ذكر شمائله على هذه الأقسام الخمسة لا نجده البتة داخلا تحت قسم المحرم منها بل ربما قد يكون واجبا عند البعض في هذا الزمان الذي ابتعد فيه الناس عن هديه وسنته عليه الصلاة والسلام إما لجهلهم بهما أو لانشغالهم عنهما بما يخالفها من عادات وافدة من بلاد الكفر والشرك ، أو ربما عد على الأقل مندوبا أو مباحا حسب تقدير أهل العلم ممن أتاهم الله عز وجل بعد نظر.
ومنكرو هذا الاحتفال جملة وتفصيلا دون تقييد ، وهم ممن ينكروا أيضا الجهر بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عقب الصلوات الخمس في المساجد ، مع أنها صلاة موجودة في التشهد أو ينكرون تلاوة القرآن الكريم جماعة مع أنها مما يحول دون انفلاته من صدور حفاظه، وهو مما أوصى به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واجتماع الناس لذلك يشجع على حفظه لهذا اعتبار لإنكارهم اجتماع الناس من أجل استعراض شمائله عليه الصلاة والسلام حتى لا تنفلت هي الأخرى من الذاكرة مع مرور الزمن .
2 ـ موقف المغالين في الاحتفال بهذه المناسبة، وهم طرائق قددا كلهم لا يقتصرون على مجرد استحضار الشمائل المحمدية في اجتماعهم بل منهم أهل شطحات ، ومنهم أهل مزامير وطبول ، ومنهم مشعوذون من أكلة اللحوم النيئة وواضعي الأعواد المشتعلة في أفواههم ... إلى غير ذلك مما لا يقره الشرع من المحدثات السيئة . وهؤلاء يسيئون بأفعالهم وأقوالهم إلى دين الله عز وجل، وإلى سنة سيد المرسلين ، ولا مبرر لخلط القسم الأول من منكري الاحتفال بالمولد جملة وتفصيلا بينهم وبين من يجتمعون لذكر شمائله عليه الصلاة والسلام عن طريق دروس أو مواعظ أو قصائد شعرية، علما بأنه من سنته صلى الله عليه وسلم أنه كان يحث صحابته من الشعراء على توظيف أشعارهم في الذود عن بيضة الإسلام ، ويخبرهم أن روح القدس معهم في ذلك ، كما أنه كان يستنشد الشعر المتضمن لمكارم الاخلاق بل أكثر من ذلك قد خلع بردته على كعب بن زهير يوم وفد عليه معتذرا ومعلنا إسلامه ، ولهذا لا اعتبار لإنكار الغلاة نظم المدائح الشعرية في رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه المناسبة العطرة .
3 ـ موقف الراشدين الذين لا يزيد احتفالهم بالمولد النبوي الشريف عن الاجتماع لذكر شمائله والتذكير بها ، والحث على التخلق بأخلاقه، والسير على نهجه في التدين ، وتحبيب ذلك إلى صغارهم لتنشئتهم التنشئة الإسلامية السوية خصوصا في هذا الزمان الذي تستهدفهم فيه جهات فاسدة مفسدة تريد تغيير هويتهم الإسلامية ، وهو مشروع أجنبي خبيث قد صار واضح المصدر والمعالم .
ولهذا السبب من الواجب أن يكون للاحتفال بهذه المناسبة في هذه السنة حجما يليق بها خصوصا وأن شخص النبي الكريم عليه الصلاة والسلام لا زال مستهدفا من طرف أعداء ديننا الذين يتعمدون الإساءة إليه عن طريق الرسوم والأقوال المسيئة إليه وفي ذلك إساءة إلى مشاعر المسلمين في كل المعمور . ولا شك أن الرد على هؤلاء يكون عن طريق احتفال يليق بمقامه الشريف ، وليس ذلك إلا بإظهار كبيرالابتهاج به كرد على المسيئين إليه ، و في نفس الوقت للبرهنة على أنه عليه الصلاة والسلام في قلوبنا ، وفي عيوننا ، وفوق هاماتنا ، وأننا نفديه بأرواحنا وآبائنا وأمهاتنا تعبيرا عن إخلاص الحب له الذي هو من حب الله تعالى.
وسوم: العدد 1000