نحو سلفية واعية

الإخوة السلفية قوم لا ينقصهم الإخلاص والحماس، ولكن ينقصهم الوعي السياسي والفكري والدعوي .

والسلفية تنتسب إلى القرأن الكريم والسنة النبوية الشريفة بفهم السلف من القرون الثلاثة الأولى جيل الصحابة الكرام والتابعين ومن تبعهم بإحسان.

ويعد الإمام أحمد بن حنبل من رواد الدعوة السلفية.

تميزت الدعوة السلفية عن غيرها من أهل السنة والجماعة بأنها تأخذ بحقيقة الأسماء الحسنى والصفات وهم يثبتون ما أثبت الله لنفسه من صفات من غير تأويل ولا تمثيل ولا تعطيل ( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير )، ولانطيل الوقوف عند قول الخصوم بأنهم حشوية ومجسمة فهي فرية لا مرية فيها.

وراح بعض الدعاة المتأخرين يقول باللامذهبية وضرورة الاستفادة من جميع المذاهب وإتباع الدليل الأقوى، ولقيت أفكار الألباني رواجا بينهم، حتى ميز البعض بين السلفية، والوهابية التي تلتزم بالمذهب الحنبلي.

واحتل شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله- وتلاميذه مكانة مرموقة عند القوم، مثل الإمام الذهبي، وابن قيم الجوزية، وابن كثير...

وانتقل فكر السلف إلى مرحلة جديدة أكثر تنظيما وأوسع انتشارا على يد الشيخ محمد بن عبد الوهاب الذي وصفه مسعود الندوي ( المصلح المفترى عليه)، ولكن استغل حكام السعودية المذهب الوهابي لأغراض سياسية.

واتخذوا من فكر الشيخ محمد عبد الوهاب غطاء شرعيا لهم ضد الخصوم.

واستغلوا الفكر والثورة، فتعاونوا مع الإنجليز ضد الخلافة العثمانية.

وكان موقف الشيخ محمد عبد الوهاب المصلح المغترى عليه يتسم بالشدة والعنف أحيانا في مواجهة الانحراف العقدي على أيدي الغلاة حيث قام بنبش القبور في الحجاز والعراق...

دعت السلفية إلى عقيدة التوحيد الخالص من الشرك ودعت إلى العودة إلى الأصول ( الكتاب والسنة وفهم السلف).

وقد تأثر السيد جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده ورشيد رضا.. وتلاميذهم بالفكر السلفي، وكذلك تأثر الشيخ عبد الحميد بن باديس، والشيخ علال الفاسي، والشيخ جمال الدين القاسمي، وطاهر الجزائري، ومحمود شكري الألوسي، وأخيرا سالم الشهال، وعبد الرحمن دمشقية، ومحمد نسيب الرفاعي، وناصر الدين الألباني، وأخذ فكر السلف عن هؤلاء أحمد بن حنبل، وابن تيمية، ومحمد بن عبد الوهاب....

   ثم تفرعت عن هذه الدعوة عدة حركات تزعم السلفية حتى وصلت فكر القاعدة والنصرة وداعش.

وقد صل الحد بالبعض إلى التكفير، وحمل السلاح ضد الخصوم إلى درجة كبيرة تشبه فكر الخوارج، والظاهرية.

وبقيت السلفية العلمية محافظة على الأصول المعروفة.

وكان أقبح تجلي للفكر السلفي هو فكر الجامي والمدخلي، وسعيد رسلان وأمثالهم.

وجاءت دعوة الامام الشهيد حسن البنا التجديدية، لتجد الساحة الإسلامية تعج بالأفكار الصوفية والسلفية والاصلاحية وقد اتخذ الإمام الشهيد حسن البنا رحمه الله موقفا وسطيا معتدلا متوازنا ( لا إفراط ولا تفريط).

وتمسك بالمقاصد الشرعية، فأعلن أن دعوته (دعوة سلفية، وحقيقة صوفية).

وكتب رسالة العقائد تبنى فيها العقيدة السلفية في الأسماء والصفات.

ووضع ضوابط للفهم ( الأصول العشرين )، بين فيها رأيه في التصوف السني النقي، كما وضع قواعد للتكفير، فلم يعد هذا الأمر الخطير فوضى.

   وأخذ الإمام حسن البنا من الصوفية التربية والتزكية وإحياء الربانية والذكر والزهد، وأعاد التذكير بالأولياء وأثبت الكرامة ضمن الضوابط الشرعية، ودعا إلى (الربانية لا الرهبانية ).. وجميع ما وافق الكتاب والسنة، ونبذ البدع والخرافات والشطح، ويصدق القول في دعوته ( لا نريد صوفية تشطح، ولا سلفية تنطح، بل نريد وسطية تنصح، ولا تفضح).

وأحيا الشيخ حسن البنا (فقه السنة) حيث أوعز للشيخ السيد سابق بكتابة ( فقه السنة) الذي جدد الفقه وبسط الأحكام، فهو يحترم اجتهادات الأئمة، ويضيف إليها مسائل فقهية مستجدة.

وكتب الإمام المودودي ( المصطلحات الأربعة) تناول فيه القضايا العقدية بطريقة مختلفة، والشهيد سيد قطب كتب خصائص التصور الإسلامي، والشيخ محمد الغزالي كتب ( عقيدة المسلم)، وكتب العلامة د. يوسف القرضاوي ( الإيمان والحياة)، وكتب حسن أيوب (تبسيط العقائد الإسلامية)، وكتب الشيخ سعيد حوى الأصول الثلاثة، وكتب د. حسن هويدي ( الوجود الحق)، ...وغيرهم كثير.

لقد أحدثت كتب الاخوان ثورة فكرية وفقهية ودعوية جديدة، مزجت بين الأصالة والمعاصرة.

وقربت قضايا العقيدة الإسلامية إلى العامة بأسلوب سهل مبسط.

   ومن روائع الفكر الإسلامي للإمام المجدد الشيخ محمد الغزالي يرحمه الله، قوله عن السلفية:

   (إنَّ السلفية ليست فِرقة من الناس تسكن بقاعاً من جزيرة العرب، وتحيا على نحو اجتماعي معين، إننا نرفض هذا الفهم، ونأبى الانتماء إليه.

إنَّ السلفية نزعة عقلية وعاطفية ترتبط بخير القرون، وتعمِّق ولاءها لكتاب الله، وسنَّة رسوله، وتحشد الجهود المادية والأدبية لإعلاء كلمة الله دون نظر إلى عرق أوْ لون. على أن فهمها للإسلام وعملها له يرتفع إلى مستوى عمومه وخلوده وتجاوبه مع الفطرة، وقيامه على العقل.

   وقد رأيتُ أناساً يفهمون السلفية على أنها فقه أحمد بن حنبل، وهذا خطأ، ففقه أحمد؛ أحد الخطوط الفكرية في الثقافة الإسلامية التي تسع أئمة الأمصار وغيرهم مهما كثروا.

وقد رأيتُ ناساً يفهمون السلفية على أنها مدرسة النص، وهذا خطأ، فإنَّ مدرسة الرأي كمدرسة الأثر في أخذها من الإسلام واعتمادها عليه.

وقد كان من هؤلاء من تسمّوا أخيراً بأهل الحديث، وسيطرت عليهم أفكار قاصرة في فهم المرويات، فأحدثوا في الحرم فتنة!

فالحديث النبوي ليس حكراً على طائفة بعينها، بلْ إنه مصدر رئيسي للفقه المذهبي كله!

ورأيتُ أناساً تغلب عليهم البداوة أوْ البدائية يكرهون المكتشفات العلمية الحديثة، ولا يحسنون الانتفاع بها في دعم الرسالة الإسلامية وحماية تعاليمها! فهم يرفضون الحديث في التلفزيون مثلاً، لأن ظهور الصورة على الشاشة حرام! وهم يتناولون العلوم الفلكية والجغرافية وغيرها بالهزء والإنكار! وهؤلاء في الحقيقة لا سلف ولا خلف، فأدمغتهم تحتاج إلى تشكيل جديد!

ورأيت أناساً يتبعون الأعنت الأعنت، والأغلظ الأغلظ من كل رأي قيل، فما يفتون الناس إلاَّ بما يشق عليهم، وينغِّص معايشهم، ويؤخِّر مسيرة المؤمنين في الدنيا، ويأوي بهم إلى كهوفها المظلمة! وهؤلاء أيضاً لا سلف ولا خلف، إنهم أناس في انتسابهم إلى علوم الدين نظر، وأغلبهم معتل الضمير والتفكير!

ورأيتُ أناساً يرفضون إلغاء الرقيق! فقلتُ لهم: ألاَ تعرفون أن هؤلاء العبيد هم أحرار أولاد أحرار! اختطفتهم عصابات النخاسة من أقطارهم، وباعتهم كفراناً وعدواناً ليكونوا لكم خدما، وهم في الحقيقة سادة؟! فما السلفية التي تقر هذا البلاء؟ وما هؤلاء العلماء الذين ضاقوا بسياسة الملك فيصل في تحريرهم، وإلغاء بيعهم وشرائهم؟!

ورأيتُ أناساً يقولون: إن آية (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا) البقرة 190). مرحلية، فإذا أمكنتنا اليد، لا نبقي على أحد من الكافرين! فقلت: ما هذه سلفية! هذا فكر قطَّاع طرق، لا أصحاب دعوة شريفة حصيفة، وأولئك لا يؤمَنون على تدريس الإسلام لجماعة من التلامذة، بله أن يُقدَّموا في المحافل الدولية والمجامع الكبرى!

وقد رأينا من يشتغلون بالحديث، ينقصهم الفقه، فيتحولون إلى أصحاب فقه، ثم إلى أصحاب سياسة تبغي تغيير المجتمع والدولة على نحو ما رووا ورأوا!

إن أعجب ما يشين هذا التفكير الديني الهابط، هو أنه لا يدري قليلاً ولا كثيراً عن دساتير الحكم، وأساليب الشورى، وتداول المال، وتظالم الطبقات، ومشكلات الشباب، ومتاعب الأسرة، وتربية الأخلاق.

ثم هو لا يدري قليلاً ولا كثيراً عن تطويع الحياة المدنية وأطوار العمران لخدمة المثل الرفيعة، والأهداف الكبرى التي جاء بها الإسلام!

إنَّ العقول الكليلة لا تعرف إلاَّ القضايا التافهة، لها تهيج، وبها تنفعل، وعليها تصالح وتخاصم).

من كتاب دستور الوحدة الثقافية بين المسلمين.

مصادر البحث:

١-دستور الوحدة الثقافية بين المسلمين: محمد الغزالي.

٢- مجموعة الرسائل للإمام حسن البنا.

٣- مقالة عبد الرحمن فهمي.

٤- مواقع الكترونية أخرى.

وسوم: العدد 1001