القمّة العربيّة ومواصلة مسيرة التّراجع
مع احترامنا وتقديرنا العالي للجزائر رئيسا وحكومة وشعبا وأرضا، وما يتحلّون به من نقاء وصحّة انتماء، فإنّ القمّة العربيّة حملت فشلها حتّى قبل انعقادها، وأكّدت من جديد أنّ الأنظمة العربيّة في غالبيّتها لديها إجماع على أن لا تتّفق على خير يحفظ حقوق هذه الأمّة ومصالحها، وذلك لتعدّد ولاءاتها وبعدها عن خدمة أوطانها وشعوبها والقضايا المصيريّة لهذه الأمّة، ففي الوقت نفسه التي شاركت فيه أنظمة عربيّة في حروبها بالوكالة لتدمير العراق، سوريا، ليبيا اليمن، وغيرها ومن قبلها فلسطين، وتشارك في حصار هذه البلدان لتجويع وقتل وتشريد شعوبها، وقامت بتجميد عضويّة سوريّا في الجامعة "العربيّة"، والضّغوط من أجل عدم عودتها لإشغال مقعدها في هذه الجامعة التي تفرّق أكثر ممّا تجمع، فإنّ دول التّطبيع المجّاني مع اسرائيل وتحالفها معها أمنيّا وعسكريّا، والتي اعتبرتها الجامعة العربيّة ودول فيها قرارات سياديّة، هي التي تقرّر مصير هذه الأمّة. ومن المضحك هو استهبال هذه الأنظمة لشعوبها ولأمّتها عندما جاء في البيان الصّادر عن هذه القمّة تأكيدها على تمسّكها "بالمبادرة العربيّة للسّلام" لحلّ الصّراع الشّرق أوسطي، أيّ القضيّة الفلسطينيّة! فماذا تبقّى من هذه المبادرة؟ وماذا طبّقت الأنظمة العربيّة من بنودها؟ وماذا أبقت منها لتطالب بتطبيقه؟
وهل كانت الأنظمة معنيّة بنجاح هذه القمّة بعد أنّ تغيّب عنها عدد من رؤسائها عن حضورها؟ إنّ مجرّد عدم صدور قرارات ملزمة عن القمّة والإكتفاء ببيان يشير بقوّة إلى الخلافات المستفحلة بين هذه الأنظمة، وما محاولات تجميلها إلّا استمرار في استغفال الشّعوب، وإغراق في الهزائم المتلاحقة، في مرحلة يشهد فيها العالم صراعات شديدة بسبب الحرب التي تخوضها روسيا ضدّ حلف النّاتو على الأرض الأوكرانيّة، والتي ستتمخّض عن تغيير للنّظام العالميّ الذي تنفرد أمريكا في السّيطرة عليه، هذا إذا لم يتطوّر الصّراع إلى حرب نوويّة ستدمّر العالم وتنهي الحياة عليه. لكنّ الأنظمة العربيّة في غالبيّتها وكما يبدو لم تستوعب هذه التّغيّرات، ولم تغيّر ولاءاتها العمياء لأمريكا وتحالفاتها مع اسرائيل. وتواصل الرّضوخ دون وعي للمستقبل، ولم تتّعظ من تخلّي أمريكا عن وكلائها وعملائها كما حصل في أفغانستان، وما تقوم به من إغلاق لقواعدها العسكريّة في بلدان أخرى ومنها دول عربيّة على سبيل المثال.
والغريب أنّ القمّة العربيّة لم تنتبه أو لم تكترث بنتائج الإنتخابات التّشريعيّة الإسرائيليّة الأخيرة، والتي فاز فيها اليمين الدّيني الفاشي في اسرائيل، وما سيتمخّض عنها من كوارث ستحلّ بالمنطقة، ولن تقتصر عواقبه على الأراضي الفلسطينيّة، وعلى المسجد الأقصى فحسب، بل ستتعدّاه إلى دول الجوار وإلى غيرها أيضا.
بينما تواصل أنظمة عربيّة التّطبيق غير المعلن للمشروع الأمريكي "الشّرق الأوسط الجديد" الذي يستهدف تصفية القضيّة الفلسطينيّة لصالح المشروع الصّهيونيّ التّوسّعيّ، وإطلاق يد إسرائيل في المنطقة لتكون الآمر النّاهي فيها. ويتجلّى ذلك بما سمّيّ "السلام الإبراهيميّ"، بين أبناء إبراهيم من السّيدة سارة، مع أبنائه من هاجر الجارية، والحديث يطول.
وسوم: العدد 1004