غوطة دمشق الشرقية.. حيث يُصنع الأمل
سلافة جبور- دمشق
لم يدفع الحصار المفروض على مدينة عربين في الغوطة الشرقية
وانقطاع الكهرباء والإنترنت وكل وسائل الاتصال منذ ما يزيد على سنة شباب
المدينة إلى اليأس، وإنما شكّل حافزاً لهم للقيام بنشاطات قد تخرجهم من جو
الحصار والمعاناة.
"الحاجة للعلم والرغبة في تأمينه لكل من يطلبه" كانت الدافع لدى هؤلاء الشباب
لإنشاء مركز ثقافي أُطلق عليه "الملتقى الثقافي في مدينة عربين"، وذلك وفق ما
قاله مدير الملتقى ياسين للجزيرة نت.
وحسب ياسين فإن الأمر لم يكلفهم سوى استئجار المكان والاستعانة بكتب من إحدى
المدارس المهدمة ومن مسجد مدمر.
ويضيف "رغب معظم الأهالي في مساعدتنا، فبعضهم تبرع بكتب وآخرون بمستلزمات. وحضر
الكثيرون لمساعدتنا في أعمال التأسيس، كما تبرعت إحدى الجهات بالمال اللازم
لشراء بعض الأغراض كالكراسي والطاولات". وهكذا كانت بداية الملتقى الثقافي.
نشاطات متنوعة
ويكمل ياسين حديثه عن أسباب تأسيس الملتقى، فيقول إن من مخاوفهم الملحة كطلاب
جامعيين ناشطين في الثورة تراجع وانهيار المجتمع ثقافيا كما هي الحال في العديد
من مناطق النزاع في العالم، خصوصا بعد غلبة الطابع العسكري على مجمل أحداث
الثورة، وكذلك وجود وقت فراغ كبير لدى سكان المدينة بسبب الحصار المطبق وصعوبة
الخروج حتى من المنازل بسبب القصف المستمر.
وأوضح أنهم افتتحوا عدة مدارس في الأقبية، لكن ذلك لم يكن كافياً، فطلاب
الجامعات هم الأكثر تعطشا للعلم خاصة بعد منعهم من الخروج إلى جامعاتهم ومتابعة
دراستهم، "وهو ما دفعنا للتفكير في موضوع العلم بطريقة جديدة مختلفة عن طرق
التعليم التقليدية التي اعتدناها في سوريا".
وبالاستفادة من الإنترنت بدأ العديد من شباب المدينة تحميل كتب إلكترونية
وبرامج تعليمية وثقافية، كما بدؤوا البحث عن طريقة لجعل الفائدة على أكبر مستوى
ممكن.
ويشرح أحد الشباب المشاركين في تأسيس الملتقى للجزيرة نت جوانب من فكرته قائلا
"لاحظنا إقبال الجيل الجديد على القراءة وكذلك حضور الندوات الثقافية والحفلات
التي غالبا ما كانت تتم في المساجد، لذلك فكرنا في وسيلة تفاعل جديدة بين
المثقفين والطلاب الراغبين في القيام بنشاطات ثقافية كتعلم لغات جديدة".
وبما أن المسؤولين عن إدارة المركز والإشراف عليه هم ناشطون مدنيون محليون، فإن
رواد الملتقى بدؤوا بأنفسهم اقتراح النشاطات التي يريدون القيام بها، وإدارتها
بالتعاون مع مشرفي المركز، فعلى سبيل المثال تمكن أحد الشباب من تعلم اللغة
التركية عبر الإنترنت والكتب الإلكترونية، وبدأ الآن تعليمها لمن يرغب في ذلك،
وهو اليوم يبحث عن مدرس يعلمه اللغة الألمانية.
صعوبات ومشاكل
ويتألف الملتقى اليوم من مكتبة وقاعتين للمحاضرات إضافة إلى ركن الاستقبال وركن
الإدارة. ويحتضن عدة نشاطات أهمها دورات شبه مجانية للغات والتمريض والرسم،
وكذلك محاضرات ولقاءات واجتماعات ثقافية وتوعوية.
وإلى جانب ذلك، يضم الملتقى صالة مطالعة مفتوحة للعوام تستقبل كل الفئات
العمرية، ويقوم بعض المدرسين بإحضار طلاب من المدارس للقيام بنشاطات قراءة
وحلقات بحث، كما يحتوي مركزا مختصا بتوثيق الشهداء والمعتقلين، وتوثيق الأضرار
المادية والدمار الناتج عن العمليات العسكرية المستمرة على المدينة.
ويؤكد مدير الملتقى ياسين أنه لاقى إقبالا كبيرا خاصة من الإناث، ويعود ذلك إلى
تخصيص أيام لهن، كما وجد إقبالا من الشباب ممن هم دون سن الثامنة عشرة،. إضافة
إلى أن المدرسين وجدوا فيه فسحة لتقديم نشاطات جديدة ومتنوعة لطلاب المدارس.
غير أن الأمر لا يخلو من صعوبات، فعدم القدرة على توفير الكهرباء داخل مقر
الملتقى فترات طويلة بسبب الارتفاع الهائل في أسعار المحروقات دفع العديد من
رواده للاستعانة بمصابيح يدوية تعمل على البطاريات لإضاءة المكان أثناء
القراءة.
ويضيف ياسين أنهم ما زالوا بحاجة لتوفير خدمة الإنترنت في الملتقى لتقديمها
لأهل المدينة، إضافة إلى نقص يعانون منه في بعض المستلزمات كالكتب والقرطاسية.
ويأمل شباب المدينة استمرار المشروع بعد سقوط النظام والتوسع فيه من أجل تشكيل
جيل جديد محب للقراءة، إذ إن عدم توفر الكهرباء والإنترنت ساعدهم على تشجيع
ظاهرة القراءة التي أصبحت اليوم أكثر انتشاراً من أي وقت مضى.