قناة بن جوريون المزدوجة .. فوائد إسرائيلية وأضرار عربية
اهتم قادة المشروع الصهيوني بالجغرافيا بكل مناحيها منذ أن كان حلما . وهذا الاهتمام طبيعي حتمي ، فالجغرافيا هي المكان برا وبحرا وسماء ، وهي صانعة السياسة والتاريخ والعلاقات الدولية سلاما أو حربا . ومن مظاهر اهتمامهم بالجغرافيا أنهم خططوا لامتداد دولتهم من النيل إلى الفرات لتكون في موضع متحكم يفصل بين جزيرة العرب والشام وبين مصر والشام ، ويلغي العراق ، ويفصل إيران عن المنطقة والبحر الأبيض المتوسط . وحرصوا على أن بكون لدولتهم منفذ بحري على أفريقيا وآسيا ، وبداهة على أوروبا بآلية وجودهم في فلسطين ، أول منطقة في مشروعهم . واستولت إسرائيل في 10 مارس 1949 على قرية أم الرشراش المصرية ، وحولتها إلى ميناء إيلات ليكون منفذها إلى أفريقيا وآسيا . وجسد استيلاؤها في يونيو 1967 على ثلاثة أضعاف ما كان في حوزتها من فلسطين ؛ وثبة كبرى في الجغرافيا ، وأقامت في الأراضي الجديدة مستوطنات سمتها صناعة حقائق . ويأتي مشروع قناة بن جوريون المزدوجة مسارا توسعيا جديدا لاهتمام أحفاد المشروع الصهيوني بالجغرافيا . وأعلن عن المشروع منذ عامين ، والمنتظر أن يبدؤوا في تنفيذه عمليا بعد شهرين . ولا ريب في أن مخططه قديم يسبق الإعلان عنه . وتبدأ إحدى القناتين من البحر الأحمر إلى البحر الأبيض المتوسط ، والثانية من البحر الأبيض المتوسط إلى البحر الأحمر . وسيعمل في إنشائهما 300 ألف عامل ومهندس وفني من دول آسيوية ، منها كوريا الجنوبية ، وسيكون بينهم عرب . وتنوي إسرائيل استبقاء 30 ألفا من تلك القوى العاملة . والمتوقع إتمام المشروع في خمس سنوات ، وسيكلف 16 مليار دولار ستوفرها قروض من ثلاثة مصارف أميركية بفائدة خيالية في تدنيها ، 1% تسدد في 30 عاما . وفي خطة المشروع إقامة قرى وفنادق ومطاعم وملاهٍ على ضفاف القناتين تلائم أذواق وثقافة وعادات ربابنة تلك السفن وبحارتها ومن سيفد إليهما من السياح . وتفترق القناتان عن قناة السويس في أن عبورهما سيكون أحادي المسار ، فتتجه السفن من البحر الأحمر إلى البحر الأبيض المتوسط أو العكس ، وستختصر هذه الأحادية زمن العبور في قناة السويس إلى النصف ، وهذه ميزة تنافسية كبيرة لصالح القناتين . وهناك ميزة أخرى ، هي أن الأرض التي ستشقان فيها متماسكة وصخرية ، وليست رملية مثل أرض قناة السويس التي تحتاج كثرة مراقبة وإصلاح . وتنتظر إسرائيل أن تعود عليها القناة المزدوجة ب 4 مليارات دولار سنويا ستكون إنقاصا من عائدات قناة السويس المقدرة ب 8 أو 10 مليارات . وهذا الإنقاص المنافس لعائدات قناة السويس أحد أهداف إسرائيل من إنشاء القناة . ومن أهدافها الأخرى تسهيل نقل نفط وغاز الخليج إلى أوروبا ، ونقل منتوجات أوروبا إلى دول الخليج وسواها من دول آسيا . والمتوقع أن تجذب السياحة على ضفافها مواطني دول التطبيع العربية ، فيتسع ويصير شعبيا . والتوقع الخطير أن تنشأ مدن إسرائيلية على ضفافها ، وهو ما يحدث عادة عند إنشاء أي قناة بهذه المزايا . بعد إنشاء قناة السويس ظهرت بورسعيد وبور توفيق وبور فؤاد والإسماعيلية والسويس والقنطرة شرق والقنطرة غرب . وفي الأردن يتحدثون عن تضرر مشروع تحلية على البحر الأحمر يخصهم إلا أن الأردن قادر دائما على تسوية خلافاته مع إسرائيل . وقرأنا أن مصر حذرت إسرائيل من إنشاء قناتها المزدوجة ، ولن تأبه إسرائيل بالتحذير ليقينها أن مصر ليس لها ذرة قدرة لمنعه . عدونا يعمق وجوده وجذوره في الجغرافيا العربية ، والعرب منهم من يحالفه ، ومنهم من لا يأبه بهذا التعميق ، ويتجاهل خطره عليه ، والفلسطينيون يتكلمون أو يتلاكمون ليل نهار حول انقسامهم الذي أزمن وبات في عامه السادس عشر ، وماذا تريد إسرائيل أنسب وأسهل من هذه البيئة الجغرافية والسياسية لتجذرها وتمددها
واستقوائها . من يجد النعمة يتنعم ، ومن يجد الطمأنينة يطمئن ، ومن يجد ضعافا متفرقين متباغضين مثل العرب يتسيدهم ويتسلط عليهم ولو كان نفاية شراذم مستوطنين من أكثر من مائة جنسية مثل الإسرائيليين .
***
من الأهداف السياسية لإنشاء قناة السويس عزل مصر عن سيناء التي كانت إحدى الأماكن المقترحة للمشروع الصهيوني أولا ، ثم الاتجاه منها إلى فلسطين .
***
اهتم الصهاينة بدراسة البيئة الطبيعية لفلسطين ، وأصدروا في ثلاثينات القرن الماضي موسوعة عن طيورها من عشرة مجلدات .
***
لو عاشت الأوكرانية جولدا مائير حتى الزمن الحالي لاعتذرت للنبي موسى _ عليه السلام _ لمعاتبتها له بأنه لم يهاجر ببني إسرائيل من مصر إلى أرض فيها نفط وغاز . هاهو الغاز موفور في حقول ليفياثان وكاريش ، وبحر غزة الذي سطت عليه إسرائيل ظلما واعتداء بمعاونة فلسطينية ومصرية بثمن ضئيل لتبرير سطوها وتشريعه .
وسوم: العدد 1007