صناعة القرّاء في مصر وصعوبة تقليدهم
التقيت بالأستاذ المصري طارق معارك، حفظه الله تعالى ورعاه أثناء #معرض_الكتاب_بالشلف ، المقام خلال الأسبوع الأوّل من شهر نوفمبر 2022، ودار بيننا حديث ممتع، وفي مواضيع مختلفة. وممّا قلته:
ممّ أعتزّ به وأفتخر، أنّي تربيت على أصوات عمالقة السّماء، من أمثال أسيادنا: محمّد الصّدّيق المنشاوي، وعبد الباسط عبد الصمد، ومحمود خليل الحصري، ومحمّد محمود الطبلاوي، ومصطفى اسماعيل رحمة الله ورضوان الله عليهم جميعا.
وما زال الطفل يفتخر بكون الله تعالى أكرمه -وما زال-، بالاستماع لعمالقة السّماء، وهو -الآن- على أبواب عقده الخامس بعد السّنة السّابعة.
أضفت: أعرف بعض القرّاء من الشباب الجزائري، يسعون لتقليد عمالقة السّماء المصريين. وممّا يجب ذكره في هذا المقام أنّ محاولة تقليد القارئ الجزائري لعمالقة السّماء، صعوب جدّا، ولا ينصح به، -ولغاية هذه الأسطر-.
صوت عمالقة السّماء، فطرة فطروا عليها، وتربوا في أحضانها. وتبقى التجربة، والتكرار، والممارسة، والخطأ والصواب، عوامل تابعة وليست أصل في سحر صوتهم، وروعة أدائهم الخالد.
من محاسن وسائل التواصل المعاصرة، أنّ المرء أصبح يتابع شباب مصري في مختلف ميادين الحياة، كالبنّاء، والبائع، ومصلح السيارات، واللاّعب. وفي أماكن مختلفة كالبيت، ومحطّة القطار، والمستشفى، والملعب، والرصيف، والحديقة وهم يؤدّون آيات من القرآن الكريم، بصفة فردية أو بالتناوب، وفي غاية الروعة والجمال، وبتلقائية عجيبة فريدة، ودون إعداد مسبق. مايدلّ أنّ القارئ المصري ولد بالفطرة عملاقا من عمالقة السّماء، فيما يخصّ القرّاء.
عمالقة السّماء المصريين، يملكون نفسا طويلا، حتّى وهم في سنّ الشيخوخة. وهذا مالايملكه القارئ الجزائري الشاب، الذي يسعى لتقليدهم، لأنّه سرعان مايفقد قوّة صوته وهو مازال في عزّ شبابه، وقد رأيت ذلك رأي العين.
أوصي القرّاء الجزائريين، حفظهم الله ورعاهم، -ولغاية هذه الأسطر-، بالاعتناء بصوتهم عبر إجادة الترتيل دون التجويد، وعلى الطريقة الجزائرية المعروفة بالبساطة، وقليلا من السّرعة، وهي طريقة سهلة، ومريحة. وقد أجاد الجزائري، وأبدع -وما زال- في هذا النوع من القراءة، ولا يحتاج منه الأمر إلى كثير من الجهد، أو جهد إضافي، ويكفيه أن يسير على طرق الأوّلين، ويضيف، ويبدع، ويتفوّق.
ثمّ التفت إلى الأستاذ المصري، حفظه الله ورعاه، قائلا: من الجرائم التي ارتكبها بعض إخواننا المصريين حفظهم الله ورعاهم، أنّ دولة جامع الأزهر، ومجتمع جامع الأزهر، وبعض الأزهريين أمسوا يقلّدون قرّاء المملكة السّعودية حفظها الله ورعاها، لأنّه لايعقل بحال أنّ يقلّد الأستاذ المتميّز تلميذه فيما ظلّ متفوّقا فيه. وأنّ المدرسة الأزهرية العريقة التي أنجبت عمالقة السّماء، أمست تقلّد المبتدئين والمتربصين في القراءة، وهي التي أنجبت عمالقة السّماء..
هناك فرق كبير بين مدرسة، لها جذور ضاربة في العمق، وستبقى إلى الأبد، كالمدرسة الأزهرية التي أنجبت وما زالت وستظلّ تنجب، ومحاولات فردية جميلة، لكنّها لم تصل لمستوى أن تكون مدرسة ذات جذور وظلال.
حين زرت مصر سنة 2006، تحدّثت لأصدقائي عن ماأطلقت عليه يومها، بـ: صناعة القرّاء. وهذا المقال هو تثبيت، وترسيخ لمعنى صناعة القرّاء في مصر العزيزة على قلوبنا.
طلبت في نهاية الحديث من أخي المصري، أن يبلّغ محبتي الدائمة لمصر حفظها الله ورعاها، ولإخواننا المصريين حفظهم الله ورعاهم، سائلا المولى عزّوجل، الاستقرار الدائم، والأمن الثّابت، والسّعادة المرجوة، والتفوّق المطلوب، وأن يحفظهم كما حفظ كتابه العزيز بعمالقة السّماء.
وسوم: العدد 1008