وداع مونديال الدوحة: دروس لعبة الأمم الساحرة
أُسدل الستار مؤخرا على مباريات كأس العالم لكرة القدم، التي احتضنتها العاصمة القطرية الدوحة وسجلت جملة من الظواهر والمؤشرات التي جعلتها واحدة من أدوار المونديال الأكثر تميزا على مدار تاريخ المسابقة. وإلى جانب منجزاتها العديدة على أصعدة كروية وفنية وتنظيمية وإدارية وجماهيرية، أتاحت هذه الدورة استخلاص بعض الدروس ذات الدلالات التنظيمية والسياسية والثقافية، يصح أن تؤخذ بعين الاعتبار في المسابقات المماثلة لرياضة تليق بها صفة لعبة الأمم الساحرة.
أول الدروس هو أن بلدا فتيا عربيا ومسلما لم يبرهن على مقدرة عالية في تنظيم المونديال وتنفيذه على النحو الأنجح والأبرع في كل ما يخص بناء الملاعب والبنى التحتية والتجهيزات ومنشآت الاستضافة وتوفير الخدمات فقط، بل احتُسب هذا كله في عداد الأفضل تشييدا والأجمل عمرانا والأوفى أمانة لعناصر البلد الحضارية والأكرم في الاستقبال والأقدر في الأمن والتأمين. ولقد حرص جياني أنفانتينو رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) على إبراز هذه الجوانب حين أعلن أن اللجنة التنفيذية للاتحاد أشادت بالجهد المتفرد الذي بذلته قطر من أجل إنجاح هذه النسخة من المونديال، «الأفضل في تاريخ كأس العالم» حسب تعبيره.
ثاني الدروس أن الهجمات المتنوعة المتفرقة أو المنظمة التي تعرض لها تنظيم قطر للمونديال، ونهضت غالبيتها العظمى على اختلاقات وأضاليل لا تغيب عن بعضها نبرة العنصرية والغيظ من العهدة بهذا العرس الكروي الدولي إلى بلد عربي ومسلم وفتي، فشلت في ثني عشاق اللعبة عن الزحف إلى الدوحة والإقبال على حضور المباريات، بحيث استقبلت الملاعب 3.27 مليون مشجع، بما يفوق الحضور في نسخة روسيا 2018 (3.03 مليون). وما أسبغ أهمية خاصة على هذا الجانب أن شوارع العاصمة القطرية وضواحيها غصت بمظاهر احتفالية فنية وفولكلورية وتراثية برهنت على درجات عالية من استعداد الشعوب للتبادل والتثاقف.
ثالث الدروس أن التنظيم الرفيع والمنشآت الجميلة والعمران العصري كوفئ عمليا بما شهدته المباريات من سياقات مبهرة على صعيد انتصارات هذا أو خسارة ذاك من الفرق المتبارية، بحيث اتضح أنه لا كبير في الكرة يمكن أن يفوز على الورق وفي صالات المراهنة، وأن الإرادة والتصميم والعزم هي عناصر القوة الكبرى في هذه الرياضة الساحرة. ولقد كان صعود الفريق المغربي إلى الدور نصف النهائي للمرة الأولى بالنسبة إلى الفرق العربية والأفريقية بمثابة الدليل على أن الحظوظ والمصادفات ليست البتة وراء التأهل. كذلك اكتسبت مغامرة الفريق المغربي سلسلة أبعاد فنية وسياسية حين حظي اللاعبون المغاربة بتعاطف غالبية شعوب العالم والنامية منها بصفة خاصة، وذلك بعد أن نجحوا في توحيد الجماهير العربية رغم الحساسيات والخلافات بين الأنظمة.
ويبقى درس رابع مؤسف ومحزن هو مدى الانحطاط الذي يمكن أن تبلغه بعض وسائل الإعلام الغربية في إظهار الأحقاد العنصرية تجاه فريق هنا أو لاعب هناك، واضطرارها لاحقا إلى الاعتذار العلني إزاء صفاقة صريحة لم تكن بحاجة إلا إلى أيام قليلة كي تتكشف وتُفتضح، فلا يرسخ في الأذهان سوى حقائق التنظيم الأرفع للرياضة الأكثر قربا من النفوس.
وسوم: العدد 1011