زوار الليل بعد «فرق الموت» في بغدا
وكأن بلاد الرافدين محكومة بالأقدار نفسها، تتغير الأحزاب والقوى السياسية ووجوه الحكام، وتبقى علاقة الحاكم بالمعارضة نفسها، سطوة أجهزة أمنية تعمل فوق القانون، قمع للمعارضة وتعذيب في السجون، من الشيوعيين للبعثيين، ومن حكم المالكي المقرب من طهران إلى الكاظمي المقرب من واشنطن! نعم حتى الكاظمي الذي كان ينظر إليه بأنه وحكومته أكثر اعتدالا وامتثالا للقانون، وابتعادا عن عقلية حكم الميليشيات، تبين أن فريقه الأمني استغل صلاحيات لجنة لمكافحة الفساد، ومارس صنوفا من التعذيب والانتهاكات في سجون سرية، ضد معتقلين في مطار بغداد والمنطقة الخضراء.
واللافت هنا أن هذا الجهاز الأمني استهدف شخصيات متهمة بالفساد تنتمي لقوى شيعية مرتبطة بإيران ومناوئة للتيار الصدري، الفصيل الشيعي الشعبوي الذي ساند حكومة الكاظمي في وجه حلفاء طهران، أي أن السلطة وأجهزتها الأمنية انخرطت هذه المرة في النزاع الشيعي ـ الشيعي بين الصدريين والأحزاب الشيعية التقليدية التي حكمت بغداد منذ 2003، بعد أن كانت الأجهزة الأمنية في حكومات تلك الأحزاب الشيعية منخرطة في السابق في قمع المعارضة السنية المسلحة وتنظيماتها المتطرفة كتنظيم الدولة، وفي تلك السنوات اتهمت القوات الأمنية التابعة لحكومتي الجعفري والمالكي ومن بعده العبادي، اتهمت من قبل كبرى المؤسسات الحقوقية الدولية بانتهاج سياسات أمنية قائمة على القمع الممنهج والانتهاكات والخطف والتصفية والتعذيب، تقوم على الطائفية، وكانت أشهر التسميات التي أطلقت على تلك القوات والميليشيات الأمنية هي «فرق الموت»، واليوم تعود الصحف الأمريكية نفسها، لتكشف عن «زوار الليل»، في تحقيق مطول استمر شهورا عدة، واعتمد على لقاءات مع محققين سابقين ومعتقلين ومسؤولين أمنيين ودبلوماسيين غربيين، إذ اتهم اللواء أحمد أبو رغيف وكيل وزارة الداخلية لشؤون الاستخبارات ومستشار الكاظمي، بإدارة لجنة أمنية مارست التعذيب تسببت بوفاة معتقلين، وهو ما يفسر إقالة أبو رغيف من منصبه مؤخرا.
اللواء أبو رغيف الذي تحمّله صحيفة «واشنطن بوست» مسؤولية «العودة إلى التكتيكات القديمة القبيحة لمؤسسة أمنية تعهد الكاظمي بمعالجتها»، الكاظمي الذي استفاد من غطاء أمريكي غض النظر عنه، باعتباره حليفا يرتجى منه مواجهة النفوذ الشيعي الإسلامي المتحالف مع طهران، فتقول الصحيفة في تحقيقها إن «الولايات المتحدة كانت لاعبا رئيسيا في السياسة العراقية منذ غزو عام 200، إلا أن القادة العراقيين استغلوا في بعض الأحيان جهل أو لا مبالاة الحلفاء في واشنطن، باستخدام وعود الإصلاح لاضطهاد منافسيهم». منافسوهم هنا باتت في حالة الكاظمي مقتصرة على التنافس الشيعي الشيعي، بين الصدريين ومعهم حليفهم الكاظمي، والقوى الشيعية المقربة من طهران، كما يقر بذلك مسؤولون في حكومة الكاظمي نفسها، يتحدث أحدهم معترفا بـ»الابتزاز السياسي»، ويشرح كيف تمت مهاجمة القواعد التجارية لمنافسيهم، لتصل الصحيفة لنتيجة يرجحها الباحثون تقول إن «اعتقالات البعض بدت ذات دوافع سياسية، واستهدفت الأفراد الذين لهم صلات بالفصائل التي هددت الثروات السياسية لأحد الداعمين الرئيسيين للكاظمي، الزعيم الشيعي مقتدى الصدر».
ويتكرر المشهد داخل السجون وكأن الزمن يعيد نفسه، يصف التحقيق ملخص الإفادات من قبل المعتقلين بأنهم، «معصوبو الأعين وتعرضوا للصعق بالكهرباء المتكرر، وضربوا بالعصي، والإيهام بالغرق، وتجريدهم من ملابسهم. وأخبر رجلان على الأقل عائلاتهما وممثليهما القانونيين أنهما تعرضا للاعتداء الجنسي. أخبر مسؤول عراقي كبير سابق قريبه وزملاءه في الزنزانة أنه أجبر على الجلوس على جزء من محرك سيارة، وهو عمل يمكن أن يشكل اغتصابا شرجيا بموجب القانون الجنائي العراقي، وصف زميل محتجز مشهد الرجل العائد إلى زنزانته. يتذكر: «كان يزحف مثل الطفل، ولم يستطع حتى المشي.. كانت ساقه منتفخة وأصابعه مكسورة».
وسوم: العدد 1012