في ذكرى انتصار الربيع العربي في مصر الحبيبة
حديث عن التاريخ ...
التاريخ في تصور بعض الناس، علم يتعلق بالماضي، وماذا جرى فيه على مستوى "الملك والجيش" ويسمى التاريخ السياسي.
يتوسع البعض في هذا فيرون التاريخ ممتدا ليشمل أيضا ما جرى في الماضي، على مستوى المعرفة، وتطوراتها، وما بني عليها، من عطاءات، ويسمونه التاريخ العلمي أو الثقافي أو تاريخ الأفكار، ويشمل تاريخ تطور كل الأدوات التي اصطنعها الانسان، لتيسير حياته.
ويضيف فريق ثالث - من هؤلاء الذين يقصرون التاريخ على أحداث الماضي- إلى فهم علم التاريخ حقلا ثالثا فيعتبره تاريخا للعوائد والعلاقات التي كانت سائدة بين البشر. الفرد بالفرد، والفئة بالفئة، والكل بالدولة، والدولة بالكل. كيف عاش الضعفاء في ظل الأقوياء. وما هي فسحة القليل في ظل الكثير، وما هو حال المرأة والمسكين وصاحب الضرر..
وكل أولئك بعض درس التاريخ عند بعض الذين يعلمون..
ثم يرتقي فريق ثان في دراسة التاريخ، فيجدون فيه مجالا لمعرفة أسرار "ما كان كيف كان" ما هي القوانين العامة التي تحكم مسيرة التاريخ، يسميها المؤمن السنن الربانية ، ويسميها غيره ما يشاء، ولكن فقه هذا ومعرفته والإحاطة به، هي من أعظم ميادين دراسة التاريخ والاستفادة منه. ومثل هذا وقفٌ على فريق من الذين يعلمون.
فهـؤلاء يعلمون أنه ليس من غرض دراسة التاريخ استعادة النشوة، بنصر قد وقع، وانجاز قد تحقق. وأن يظل المرء ينشد وقد احمرت حدقتاه:
فتح الفتوح تعالى أن يحيط به نظم من الشعر أو نثر من الخطب
ونظل نتغنى بما فعل الخليفة والأمير والوالي، ومنه إلى كبير العشيرة وشيخ الحارة والأب والجد والخال والعم..
يقول صاحبي: ولعله من أسرار نجاح مسلسل "باب الحارة" أن كثيرا من الجماهير ما زالت تعيش عقل الحارة، وأماني الحارة.
هذا الانغماس في المعنى الرومانسي للتاريخ يشبه الأفيون الذي تحدث عنه ماركس، صاحب نظرية التفسير المادي للتاريخ، وهذا ليس ترويجا لها، وليس المقام مقام نقدها، ولا مقام الفخر بالتاريخ الخلدوني الذي كان أسبق..
الأفق الثالث لدراسة التاريخ، وهو الأفق الأرقى والأشمل:
النظر في السموات والأرض لمعرفة كيف بدأ الله الخلق، وسنن الخلق، وكل شيء اكتشفناه حتى اليوم له ناموس..
دارسو التاريخ هؤلاء يفكرون بالأمس، واليوم والغد..
وأن نقصر دراسة التاريخ على توقف عند محطة للنشوة أو للإدانة قسمة ضيزى!! فكم وددت من قومي ان نجعلها أثلاثا: يوم نطرب فيه بحكايات أمسنا الزاهر، ويوم نفكر فيه بخلاصنا من أسر عدونا الراهن، وقد أورثنا أجدادنا الذين تمدحون الأسر والذلة، ويوم نفكر فيه بغدنا، ومستقبل من جنينا عليهم، على طريقة أبي العلاء المعري في التعبير.
ليتنا نجعل لقاء كل ساعة نفكر فيها في الماضي، أو نتحدث عنه، أو نتغنى به؛ ساعة نتحدث فيها عن واقعنا وحاضرنا بكل مافيه، وعن غدنا بكل ما نترقب ويترقبون . ويزعمون ان بعض الناس قد رسموه كما يحبون ويشتهون- وليس كما نشتهي- حتى سبعين سنة قادمات.
نعيش في ذكرى انتصار الربيع العربي في مصر الحبيبة..
لغة الذكريات أفعل في النفس .. من لغة ابنة العنقود
وسوم: العدد 1015