تحيين الحسبة ضروري اليوم لوقف ظاهرة غلاء أسعار المواد الاستهلاكية

الحسبة ـ بكسر الحاء وبضمها ـ  لغة  مشتقة من الاحتساب وهو نشدان الأجر والثواب عند الله عز وجل  ، أما اصطلاحا ،فهي أمر بمعروف يترك أو نهي عن منكر يفعل ، علما بأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أعم  منها لأنه بموجبه يُؤمر بالمعروف وإن لم يُترك ، ويُنهى عن المنكر وإن لم يُفعل ، وهذا من اختصاص أهل العلم من دعاة وخطباء، بينما الحسبة أخص من ذلك لأنها تتعلق بالمعروف المعطل ، وبالمنكر الشائع .

وللحسبة أركان أربعة هي : محتسب ، ومحتسب عليه ، ومحتسب فيه ، واحتساب ـ أما المحتسب ،فهو من يتولى الأمر بالمعروف المتروك ، والنهي عن المنكر المفعول ، ويشترط فيه حسن إسلامه واستقامته ، وإخلاص النية ، والسير على النهج النبوي في الحسبة ، والعلم بما يأمر به وما ينهى عنه ، والخبرة بملابساته وظروفه ، والقدرة أو الاستطاعة على القيام بذلك تدرجا من تغيير باليد أو باللسان أو بالقلب ، وهذا الأخير لا يعفى منه أحد ، كما يشترط فيه الرفق في الاحتساب ، والخبرة به ، ويجب أن يكون قدوة باستقامته ، كما يجب أن يوازن بين المصالح والمفاسد ، و يكون صبورا على الأذى ، ويساهم في إيجاد البدائل المشروعة إذا  ما رام تغيير منكرات .

ـ وأما المحتسب عليه، فهو كل من يُؤمر بمعروف أو يُنهى عن منكر ، والمحتسب عليهم  لهم أحوال واعتبارات يراعيها المحتسبون حين القيام بواجب الحسبة ، فليس التعامل مع الأقارب كالتعامل  مع لأباعد ، ولا التعامل مع الأقوياء كالتعامل مع الضعفاء ...

ـ وأما المحتسب فيه،  فهو منكر قد أشيع، ويكون موجودا و ظاهرا  بحيث يستوثق منه المحتسب  دون تجسس ، ولا يكون مما يقع فيه الخلاف بين المجتهدين من أهل العلم .

ـ وأما الاحتساب ، فهو القيام بواجب الحسبة وهو مراتب : مرتبة  باليد، وهي الأقوى  ويشترط فيها القدرة والعدل ، وعدم ترتب المفاسد عنها ،ومرتبة اللسان ويشترط فيها الصواب وتوخي العدل والحق ، ومرتبة القلب ، وهي أدنى شعب الإيمان ، وهي عبارة عن شعور بعدم الرضا بشيوع المنكرات .

والحسبة  باعتماد أسلوب تغيير المنكرات باليد ،كانت عبر التاريخ الإسلامي عبارة  عن منصب أو مهمة يتولاها مشرفون على الشؤون العامة للأمة بحيث يرعون حماية  الآداب والأخلاق  ، و يراقبون الأسعار في  المعاملات التجارية . وأما الحسبة التي تعتمد أسلوب تغيير المنكرات باللسان، فهي مهمة الدعاة والخطباء ، وأما الحسبة التي تعتمد أسلوب التغيير بالقلب، فهي متاحة لكل الأفراد ، وفيها تربية لهم ووقاية من الوقوع في المنكرات ، ذلك أن الفرد يكون بمنجاة من الوقوع فيها ما دام ينكرها بقلبه .

وإننا ونحن نعيش اليوم موجة غلاء  أسعار المواد الاستهلاكية  وهي في تصاعد مستمر والتي يلتمس  لها البعض مبررات منها ارتفاع أسعار الوقود المؤثرة في أسعار كل ما يتوقف على هذا الوقود ، فإن ممارسة  الحسبة عندنا  غائبة  تنوب عنها  شكاوى أفراد المجتمع  من هذا  الغلاء بألسنتهم إن صح أن تعتبر هذه الشكاوى  على الحسبة التي عطلها الخطباء والدعاة بسكوت لا يحسن بهم  في  ظرف غياب المحتسبين الذين لهم صلاحية مراقبة الأسعار.

ولسنا ندري هل أمر رئيس الحكومة للوزارات التي يرأسها  يوم أمس بمراقبة الأسعار بعد تعالي الأصوات بإنكار غلائها  هو تحيين لنظام الحسبة  أم أنه إجراء ظرفي ؟ وإذا كان الأمر كذلك، فنرجو أن تكون  حسبة بالطريقة التي كانت عليها عبر التاريخ الإسلامي يقوم بها محتسبون يعرفون لدى الرأي العام ، ويحظون بمساعدة ودعم المشرفين على تطبيق ما يقررونه في شأن موضوع غلاء أسعار المواد الاستهلاكية خصوصا وأنها في ازدياد مطرد يوما بعد يوم في غياب من يتدخل بصرامة وحزم لوقف ما يحدث ، ونرجو كذلك ألا  يكون الباعث على مراقبة الأسعار مجرد قرب شهر الصيام  بل يكون ذلك  من أجل أن تستقر الأسعار على ما كانت عليه ، ويحافظ على استقرارها مما عهده  وألفه الناس لأن في استقرارها استقرار للأمن والسلم ، وفي غلائها تهديد لهما . 

وسوم: العدد 1019