يشيد الإنسان صرح مكانته الاجتماعية في سنين لكنه قد يهدمها في لحظات إذا ما استكبر وتعالى
يشيد الإنسان صرح مكانته الاجتماعية في سنين لكنه قد يهدمها في لحظات إذا ما استكبر وتعالى وأساء معاملة الناس ولم يرع لهم أقدارا
كل إنسان يخرج من رحم أمه ضعيفا، وعاريا ، وباكيا ، ومع مرور الوقت يبدأ في النمو ، ويمضي في التحول من حال إلى حال حتى يبلغ أشده ليبدأ بعد ذلك سيره نحو الضعف من جديد وفق سنة الحياة .
وخلال فترة حياته يحاول بناء صرح مكانته الاجتماعية بمال أو بجاه أو بعلم أو بسلطة ... أو بغير ذلك. وإذا كانت إمكانية حصوله على المال أو الجاه اللذين يستعملهما لبناء صرح مكانته الاجتماعية متأتية ومتيسرة بسبب إرث أو جاه يرثهما عن أب أوعن أم أو عن قريب من أقاربه ، فإن ذلك لا يتيسر له إن أراد بناءها بعلم أو بسلطة ... أو غير ذلك مما يبلغه إياها .
وكل إنسان عصامي يقضي سنين عددا يشيد صرح مكانته الاجتماعية بما لا يورث بل بما يكتسب ببذل الجهد ، وتحمل المشقة والتعب، وقد يبدأ حياته إنسانا بسيطا لا يختلف عن بسطاء مجتمعه ثم يطور من وضعه الاجتماعي بعصاميته حتى يصير ذا مكانة عند الناس، وذا تميز عنهم، ترنو إليها الأنظار ، ويحاط بهالة من الاهتمام والتقدير، ويكون حينئذ أحد اثنين :
ـ شاكر نعمة ربه لا يزيده ما أتاه الله عز وجل من فضله إلا تواضعا، ودماثة خلق، وحسن معاملة للبسطاء الذين كان بالأمس واحدا منه ، وهو يستشعر بعد علو كعبه بينهم مشاعرهم كما كان وهو في مثل حالهم ومستواهم ، ولا تفارق وجدانه تلك الحال التي انطلق منها أبدا ،
ـ أو منكر نعمة ربه التي أنسته بدايته البسيطة والمتواضعة ، وأطغته ، ويمضي كأنه لم يكن واحدا من البسطاء ينظر إليهم باحتقار، وازدراء متعاليا ومستكبرا ومتجبرا ، وهو لا يدري أن ما شاده من صرح مكانته بينهم قد هدمه في لحظات حيث يزداد عدد المحتقرين له من البسطاء حتى لا يصير بينهم من يرعى له قدرا أو مكانة ، ويصير حديث ألسنتهم التي كانت تلهج بالثناء عليه ثم تحولت إلى ذمه، واحتقاره، والسخرية من صلفه ، وسرعان ما ينتبه إلى ما فعله بصرح مكانته الشامخ ، ويندم على ذلك، ولات حين مندم لأنه إذا ما كان الصرح المادي قد يشاد من جديد بعد انصداعه فإن الصرح المعنوي لا يمكن أن يعاد بناؤه من جديد أبدا .
وعلى كل من بذل الجهد، وتعب من أجل بناء صرح مكانته الاجتماعية لسنوات أن يتنكب نسفه في لحظات ، فهو إن فعل ذلك كان كمالك كنز ثمين أضاعه عبثا ، ويصير في مرتبة الجهال، وقد كان في قمة العقلاء ، وآفة العاقل أن يفعل بنفسه ما يفعل بها الجاهل .
وسوم: العدد 1021