السودان: حرب بين العسكر أم حكم مدني
ركزت الأنباء الأخيرة القادمة من السودان على إعلان رئيس مجلس السيادة، عبد الفتاح البرهان، اعتزامه حل مجلس السيادة وتشكيل مجلس أعلى للقوات المسلحة برئاسته، على أن يستمر في مهامه السيادية إلى حين التوافق على حكومة جديدة واختيار رئيس وزرائها. وكان بارزا ضمن هذا التصريح إعلان البرهان عن رغبته في ضم «قوات الدعم السريع» التي يقودها نائبه الأول، محمد حمدان دقلو (حميدتي) إلى الجيش، وهو ما يعني، من الناحية النظرية، ضبط رتبته العسكرية ضمن النسق العسكري النظامي، لكنه يعني عمليا، إنهاء استقلالية قرار حميدتي، وتقليص صلاحياته ونفوذه.
تبدو الخطة أقرب إلى انقلاب علني على حميدتي، وتمهيدا لإعلان البرهان قائدا أوحد للسودان، مع فتح الإمكانية لدكتاتورية عسكرية جديدة وحكم فرد واحد يعيد السيرة السودانية إلى بدايتها، مع نماذج حكم مثل نظم جعفر نميري وعمر البشير.
أدى ذلك إلى ظهور حميدتي في مؤتمر صحافي حذر فيه من أن «المطامع الذاتية وقصر النظر ستلقي إلى التهلكة» كما استخدم ورقة الحراك المدني والشعبي، محملا شريكه البرهان وحده مسؤولية إسقاط الحكومة المدنية برئاسة عبد الله حمدوك، ومعتبرا ما حدث في تشرين أول/أكتوبر 2021، «انقلابا عسكريا»!
كما لجأ البرهان لتعزيز موقفه الإقليمي والدولي بتسريع خطوات التطبيع مع إسرائيل، وباتخاذ مواقف متوائمة مع سياسة الولايات المتحدة الأمريكية لتطويق النفوذ الروسي ومواجهة تدخلات مرتزقة شركة «فاغنر» في أفريقيا، فقد لجأ حميدتي إلى الإمارات، التي يتواجد فيها منذ الأسبوع الماضي، في زيارة «غير رسمية» حيث التقى «عددا من قيادات الإمارات» أشارت بعض التسريبات الصحافية إلى أن من بينهم منصور بن زايد آل نهيان، نائب رئيس الحكومة ووزير ديوان الرئاسة الإماراتية، وأن وزير الدولة للخارجية، شخبوط بن نهيان، وصل بعدها إلى الخرطوم، وسلم رسالة للبرهان، من رئيس الإمارات.
تنافس الطرفان أيضا، على تغليف صراع الأشخاص، والمصالح، والأجندات العالمية والإقليمية، بخطاب يتحدث، من جهة البرهان، عن ضرورة دمج قوات الدعم السريع كشرط للمضي قدما في العملية السياسية، وكضرورة لتشكيل جيش وطني قوي للدفاع عن السودان وأمنه وحدوده، خطاب آخر من جهة حميدتي يهاجم فيه «فلول النظام السابق» (في ما يمكن أن يعتبر إشارة إلى البرهان نفسه، كما لفئات «الإسلام السياسي» التي كانت داعمة لنظام عمر البشير) فيعتبر أنهم المسؤولون عن «الفتن القبلية والاجتماعية» (في إشارة إلى أن الصراع موجّه ضد قبيلته الزريقات) ثم انتقل إلى التخصيص بقوله: «ارفعوا أيديكم عن الفتنة في المؤسسة العسكرية»!
في خلافه المستجد مع قائد الجناح العسكري المناظر في قوته للجيش، يتجاهل البرهان، طبعا، وجود جيوش أخرى أصغر، يقودها قادة ميليشيات الحرب، وسبب ذلك حاجته لتحييدهم في الصراع الذي قد ينشب مع حميدتي، وضمان ولائهم له، عبر تأمين مناصب تنفيذية لهم في الحكومة، وهي ميليشيات، تمتلك مثل «الدعم السريع» كيانات خاصة تشبه دولا صغيرة، تجبى فيها الضرائب، وتقام السجون، بما فيها ميليشيات تقاتل مع جنرال الحرب الليبي خليفة حفتر، ويبدو أن الترتيبات الدولية في ليبيا، باتت تستوجب عودتهم إلى السودان.
في خطابه ضد «فلول النظام السابق» يتجاهل حميدتي بدوره أنه يدين بوجوده إلى ذلك النظام السابق، وأنه كان أهم وأكبر القوى العسكرية التي وظفها ذلك النظام، منذ عام 2006، لقمع حركات التمرد المسلحة في دارفور، فتمكن عبر عدة خطوات عسكرية وسياسية ومالية، من تحويله طرفا ندا للجيش النظامي، وكانت الثورة الشعبية السودانية عام 2019، الفرصة التي امتطاها، بالاتفاق مع اللجنة العسكرية الأمنية، للانقلاب على البشير، وليصبح الشخص الثاني في المعادلة السودانية.
تفاقم الصراع بين البرهان وحميدتي، هو مؤشر إلى صلابة المعادلة التي اتخذتها القوى المدنية السودانية بالعمل السلمي عبر التظاهرات وأشكال التجمهر والعصيان والتوحد خلف راية سياسية موحدة، وهو على ما يبدو، الأمل الوحيد للسودانيين في الوصول إلى حكم مدني ديمقراطي يعود فيه الجنرالات إلى ثكناتهم، وتقتصر مهامهم فيه على حماية البلاد، وأمنها، وليس التسلط عليها.
وسوم: العدد 1021