انتشال النظام السوري من عزلته: أجندات السر وذرائع العلن
لم يجد النظام السوري أي حرج في استغلال الكوارث الناجمة عن الزلازل التي ضربت شمال غرب البلاد، ولم تقتصر جهوده في هذا الصدد على احتكار المساعدات الخارجية وحجبها عن المواطنين السوريين المتضررين في المناطق غير الخاضعة لسيطرة النظام، أو حتى تحويل كميات هائلة من تلك المساعدات إلى تجارة داخلية تديرها الأجهزة والشبكات المرتبطة بالنظام. لقد حرص على توظيف آلام الشعب السوري في منحى سياسي يهدف إلى الخروج من طوق العزلة، وإلى تجميل وجه النظام عربياً وإقليمياً ودولياً تحت ستار التضامن الإنساني، وكذلك الإفلات من بعض العقوبات المفروضة عليه لأنه على وجه الدقة انتهك ويواصل انتهاك أبسط المبادئ الإنسانية بحق أبناء سوريا أينما كانوا في واقع الأمر.
وفي هذا الإطار سارع إلى زيارة دمشق وزير الخارجية الأردني، وأعقبه وزير الخارجية المصري، وبينهما قام وفد من الاتحاد البرلماني العربي ضم ممثلين عن العراق والإمارات العربية المتحدة والأردن وفلسطين وليبيا ومصر وسلطنة عُمان ولبنان، كما قام رئيس النظام بشار الأسد بزيارة عُمان والاجتماع مع السلطان هيثم بن طارق في أول نشاط يكتسب صفة واضحة من العلنية المسبقة على نقيض غالبية زيارات الأسد خلال العقد المنصرم والتي لم يكن يُعلن عنها إلا بعد اختتامها.
وإذا وضع المرء جانباً زيارة الوفد البرلماني العربي لأسباب تتصل بالأحجام التمثيلية الفعلية لمعظم النواب زوار النظام السوري، فإن للزيارات الرسمية الأخرى أجندات عديدة مختلفة قد يكون القاسم المشترك المعلن فيها هو التضامن الإنساني على خلفية الزلازل، ولكن مضامينها الفعلية قد لا تسعى بالضرورة إلى الانفتاح على النظام السوري وإخراجه من عنق الزجاجة. فالأردن على سبيل المثال الأول يعاني من مشكلات جدية تخص تهريب الكبتاغون من الداخل السوري إلى الأسواق الأردنية والخليجية، مترافقاً مع وسائل عجيبة في تهريب الأسلحة لا تُستثنى منها الطائرات المسيّرة.
مصر في المقابل خفضت تباعاً من مشكلات العلاقة مع النظام السوري ابتداء من انقلاب عبد الفتاح السيسي سنة 2013، الأمر الذي لم يتضمن طي صفحة السياسات التي كان قد اعتمدها الرئيس السابق محمد مرسي في مناهضة نظام الأسد فقط، بل دشن أيضاً طوراً من التنسيق الأمني العلني بين أجهزة الاستخبارات السورية والمصرية، والتعاون الاقتصادي والتجاري الذي لم يُغفل الصلات العسكرية والتسليحية. كما تعين أن يتلاقى السيسي مع الأسد تحت مظلة مشتركة أنشأتها بينهما السياسات الانفتاحية التي اعتمدتها دولة الإمارات مع النظام السوري.
نضيف إلى هذا أن معظم الوفود التي أخذت تتقاطر على دمشق مؤخراً بعد الزلازل تبدو خجلى من إعلان مضمون فعلي للزيارات قوامه السعي إلى انتشال النظام السوري من عزلته الخانقة، ولهذا تتذرع بالتضامن الإنساني والوقوف مع الشعب السوري في محنته، متناسية أن أجندات السر مفضوحة جلية، ومتجاهلة أن ما ألمّ بالسوريين من كوارث بأيدي النظام وجيشه وأجهزته والقوى الأجنبية والميليشيات المذهبية المناصرة له إنما تعجز عن رصده أعلى الدرجات في مقياس ريختر.
وسوم: العدد 1021