سماسرة توزيع الأحلام
معمر حبار
في انتظار أن يأتي دوره، مدّ يده لجريدة جزائرية يومية، وضعت فوق الطاولة، لعلّ فيها مايخفّف عبء الطابور، ويحمل عنه عناء الإنتظار.
فتح الجريدة، إذ بصفحة خاصة بتفسير الأحلام، وقُدِّم الشخص على أنه متخصص في تفسير الرؤيا والأحلام، وبأنه متخرج من معهد العلوم الإسلامية، تخصص أصول الدين، ويحمل إجازة في تفسيروتعبير المنام من الشيخ الفلاني.
وبعد صلاة العصر، قال صاحب الأسطر للإمام: هل يوجد في الشريعة الإسلامية، تخصص إسمه تفسير المنام؟. وهل يوجد إجازة في تفسير المنام؟. قال الإمام: لأول مرة أسمع بهذا التخصص. ردّ عليه محدّثه: وأنا كذلك، ثم أردف قائلا: لذلك كان هذا المقال.
من الملاحظات التي استرعت الانتباه، والمرء يطوف أرجاء المعرض الدولي الجزائري للكتاب، مدة ثلاثة أيام متتالية، أن كتاب "تفسير الأحلام"، يوجد تقريبا على مستوى كل الطوابق والأجنحة، وبأسعار في متناول الجميع، وبطبعات جذابة خلابة، ولدور نشر وطنية وأجنبية، وإقبال لافت للنظر من أعمار متباينة، وهيئات متضاربة.
إن سيّدنا يوسف عليه السلام، حين حلّ يومها بالمعمورة، القحط والمجاعة، لم يقدّم نفسه على أنه مفسّر الأحلام، بل قدّم نفسه على أنه حفيظ عليم، "قَالَ اجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ"، يوسف - الآية 55، وهي من أسس الحكم والتسيير.
وحين كان الوحيد في تفسير رؤيا الملك، لم يطلب مالا ولاقربى ولانفوذ، بسبب تفسيره لحلم الملك. وظهرت براعته في إنقاذ أمة من الهلاك، وتحويل المحنة إلى منحة، لذلك منحه الملك كل صلاحيات الملك، بسبب ماأوتي من طهر الباطن، وحسن تسيير للأزمات التي كادت تعصف بملكه، وشعبه.
إن سيّدنا يوسف عليه السلام، قضى العمر كلّه في نشر الفضيلة، وإصلاح ذات البين، ومساعدة الفقراء، وتعليم الناس دينهم، وزرع المحبة والأخوة في كل مكان، ولو كان السجن، ثم علّمهم حسن التسيير، وفضل الاقتصاد، ومواجهة الشدائد والصعاب، فكان مثالا في تسيير أفراد العائلة، وشؤون الحكم والدولة.
وفي المقابل لم يستغرق منه تفسير المنام دقائق معدودات، وبعد أن يطلب منه ذلك، الرعية أو الملك، ثم ينصرف لشؤون البلاد والعباد.
إن الأمم التي جاءت من بعد سيّدنا يوسف عليه السلام، تعلّمت منه كيفية التعامل مع الأزمات الأخلاقية حين ألقي به في الجب، وحين أدخل السجن، وكذلك حسن تعامله مع الأزمات الطبيعية، حين مرّت به "سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّا تُحْصِنُونَ"،يوسف - الآية 48. ولم يعرف عنه أنه نقل إجازة في تفسير المنام لأهله، ولمن حوله، وهو النبي إبن النبي. وإن الذين عاشروه، والذين اتّهموه، قالوا إنه العفيف الصديق المحسن. بل قالوا له: "يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَّعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ"،يوسف - الآية 46. فالصدق والطهر والصفاء، كان عنوانا لسيّدنا يوسف عليه السلام، ولجأ الناس إليه، ليفسّر لهم المنام، لأنه الصادق الطاهر، ولأنه وجد حلولا فاعلة ملموسة لمشاكلهم، ومشاكل الدولة والمجتمع.
إن سلوك الدول والمجتمعات، يظهر جليا في كيفية مواجهة الطوارىء وعلاجها، والتخفيف من حدّة آثارها، والاستفادة منها مستقبلا. أما تفسير الأحلام، فهو عمل فردي. ويكون مهلكا إذا تبناه كلا من المجتمع والدولة، حتى أمست الجرائد تخصص له صفحة كاملة، والقنوات الفضائية، تفتح له أبوابها آناء الليل وأطراف النهار، فتحولت إلى وظيفة تلغي الوظائف التي خُلق لها المجتمع، وإلى أداة تنويم تفسر كل شيء إلا ماتعيشه الأمة من إحباط ونهب وسطو واستدمار واحتلال وتدهور في الترتيب.