رقصة شرقية بين العلم والدولة
د. أحمد الخميسي. كاتب مصري
أعلنت فيفي عبده أنها ستطلق قناة فضائية للرقص الشرقي من أجل " محاربة الابتذال". فيفي من مواليد 1953على الأقل. حاربت الابتذال في ثمانية مسلسلات وأربعين فيلما وخمس مسرحيات منها " إدلعي يادوسة". لدي فيفي بمفردها القدرة على إطلاق قناة في الوقت الذي مازالت فيه الدولة والثورة والقوى الثقافية عاجزة عن إطلاق قناة واحدة لنشر العلم! تتمتع فيفي بالجرأة والخيال والطموح أما الدولة فلا تؤرقها أية أحلام في تبديد ظلمة الوعي التي أغرقت الريف والمدن في الاقتتال الطائفي إلي أن طفت دماء الوطن في نزلة عبيد والبدرمان. لا تقدم حكومة الثورة مشروعا لمحو الأمية الضارية التي عمت أكثر من نصف الشعب ولا ترعى ولا تصدر مجلات علمية، ولا تدعم البحث العلمي، ولا تخطط لإطلاق قناة للعلم. من حق فيفي أن تفتح بذراعها قناة فضائية في بلد يمنح الفنانات الملايين ويبخل على العلم بالملاليم. ولقد انقضى نحو القرن منذ أن دعا سلامة موسى في عام 1930 لإيجاد حركة علمية شعبية في مصر، وإنشاء المجمع المصري للثقافة العلمية ليضم كل المهتمين بالعلوم لنشر نور المعارف العلمية. لكن دعوته مازالت معلقة في فراغ العتمة. أما الثورة فإنها لا تضع في مقدمة أهدافها تطوير العلم، ولا يدخل ذلك في برامجها ووثائقها وهتافات ثائريها. هل ينفتح أفق التطور أمام ثورة من دون علوم؟ وهل يغيب عن حكومة الثورة أن بلادنا لن تتقدم من دون العلم؟ يغيب! بدليل أن ما تخصصه الحكومة لكل عضو بهيئة تدريس في جامعاتنا لايزيد عن ثلاثين جنيها للبحث العلمي! ولو أنها خصصت هذا المبلغ للبحث عن سندويتش لكانت أكثر واقعية!
تهمل حكومتنا وتزدري منظومة البحث العلمي بمعاملها ومراكزها ومعاهدها، وتغض النظر عن طاقة مئة وعشرين ألف باحث وعالم مصري في مختلف المجالات عاجزين عن إفادة وطنهم. لدينا صندوق لدعم البحث العلمي ميزانيته عشرة مليون جنيه أي نصف ميزانية مسلسل " الحاج متولي"! . تنفق الدولة على البحث العلمي 1 % من إجمالي الناتج القومي وتنفق إسرائيل على العلم مقدار ما تنفقه كل الدول العربية مجتمعة! وحسب تقارير اليونسكو عام 2008 سجلت إسرائيل أكثر من ألف براءة اختراع، أي ما يفوق عدد الاختراعات التي سجلها العرب على امتداد تاريخهم الحديث! ولقد تقدم عصام حجي المستشار العلمي لرئيس الجمهورية باقتراح مهم لاستحداث مادة فى الدستور تنص على رفع ميزانية البحث العلمى بحد أدنى 1% من الدخل القومى، أي أقل من كل المعدلات العالمية. إلا أن مشروع الدستور اكتفى في مادته 59 بنص فضفاض مرواغ يفيد أن الدولة ستخصص للبحث العلمي " نسبة كافية من الدخل القومي"! كافية يعني كم؟! ومعنى ذلك أن حكومة الثورة ترفض أن تخصص حتى الحد الأدني الحرج للانفاق على العلم ، وأنها ستواصل احتقارها للعلم أي احتقارها لمستقبل مصر. ولدي الحكومة مئات الأبحاث حبيسة الأدراج منها ما يتعلق بعلاج مشكلة القمامة ومعالجة الصرف الصحي وإنشاء وكالة فضاء مصرية وغير ذلك مما نحتاجه للتطور والتقدم. ومادام العلم يتيما في بلادنا فلا يبقى أمامنا سوى قناة للبحث العلمي فيما إن كان الرقص مجرد هز وسط أم أنه منظومة علمية تتضمن الهز وتلعيب الحواجب والرقبة!