بين المعارضتين التركية والسورية... مشتركات

وارسل لي الاخ والصديق محمود عثمان مقالا جميلا عن خارطة الأحزاب السياسية في تركية، غداة الانتخابات، وتحدث فيما تحدث عن تركيبة المعارضة التركية، فقفز إلى ذهني فورا التماثل بين المعارضة التركية بكل هشاشتها وتفرقها وكثرة عناوينها، وبين المعارضة السورية وما تعيشه من "ضعضعة" تأملوا عبقرية العربية، في تجسيد حالة "الضعضعة" بلفظها والذي يتركب من "ضعة + ضعة"

المعارضة التركية، ولا يهمني ان أتدخل في الشأن التركي، تمتلك عمليا أحزابا ذات جذور تاريخية، وتجربة سياسية، ورصيد بشري، أنا لا أقول ديناصورات منقرضة، ولا أشبهها بمرحلة الشيخوخة من حياة ملاكم شهير مثل محمد علي كلاي. ولكن تشبه في أناقتها كثيرا بعض نماذج أو موديلات السيارات، القديمة، التي نصادف طبقة من الناس تتباهى بقيادتها هنا في شوارع لندن "للفخفخة" ارجوك ان تربط بين لفظ الفخفخة والضعضعة..

شخصيا عايشت تجربة الخوجة نجم الدين اربكان رحمه الله تعالى، المؤسس لحزب النظام الوطني ثم لحزب السلامة والذي ظل يتناسخ تحت مطاردة العلمانيين، الذين ظلوا يحلونه من الحلّ والانحلال، وليس الحلاوة مرة بعد مرة..

وما أكثر ما يحملنا بعض الناس جميلة ان حزب العدالة نشأ في ظل..

انا أعتقد أن صيرورة تجربة الخوجة اربكان آلت لأسباب شديدة التعقيد، إلى حزب العدالة والتنمية وليس إلى حزب السعادة، ويخطر ببالي ان الخوجة اربكان وجد ظله في الرئيس اردوغان، ولا يلغي هذا كون الخوجة ظل غاضبا على ظله، لا أعلم إن كان قد توفي رحمه الله على هذا. كثير من الآباء يختلفون مع أبنائهم بحدة، ولكن عندما يجدونهم ينجحون يلتفتون يمنة ويسرة، ليخفوا ابتسامتهم، الأم وحدها هي التي تقول للأب الذي يظل يتصنع الغضب: دع ابنك يفرح بنجاحه وبرضاك…

في المعارضة التركية زعامات أكثر تجربة مما هي في المعارضة السورية، ولكن فات هذه الشخصيات أن ظروف نمو الزعامة الوطنية أكثر تعقيدا..

وهج التحدي الذي رافق تجربة العدالة والتنمية في أيامه الأولى يوم كان مؤسسوه جميعا- حبذا العيش حين قومي جميعا- لم تفرق أمورها الأهواء..

ليس كما هو اليوم..

يقدم الانسان بديلا لمشروعه مع فروق بالرتوش، ومن يبالي في زحمة المشاريع بالرتوش؟؟

صحيح هناك هوس عند بعض عشاق السيارات بالموديلات القديمة، ولكن لا أحد ينافس عليها في البازار..

قضية مزمنة في قيادات المعارضة السورية، ان بعض هؤلاء لا يميزون بين القيادة الفكرية والقيادة المكتبية، والقيادة الحزبية؛ وبين القيادة المجتمعية..

في نصف بيت من قصيدة لا يعرف قائلها..وتنسب زورا الى الفرزدق تقول القصيدة، فيما يروى عن زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب ورضي الله عن العترة الطاهرة:

إن قال، قال بما يهوى جميعُهمُ

فاعل قال الثانية هي قوله جميعُهم.

أي إن قال هذا المتبوع ، قال جميع التابعين بقوله..

من أكبر فعائل السوء التي نفذها حافط الاسد في المجتمع السوري، أنه قام بقصف قواعد المجتمع الأهلي، ولم يسمح بتأسيس بنى حقيقية للمجتمع المدني، بل وقف بشار الاسد في ٢٠٠٦ ينكر مصطلح المحتمع المدني ويسخر منه.ويعتبره بدعة وضلالة

وصرنا مشية الغراب، لا مشية الحمام ولا مشية الحجل..

انظر إلى الموقف العام لجمهور الثورة السورية تجد حالة شبه توافقية على انكار الحياة الحزبية، بكل آفاقها ، قليل من يقتنع بضرورة التأسيس لمجتمع مدني سياسي جديد…

لم تعد هناك عشيرة ولا حمولة ولا أسرة، ولم ننجز بنى حزبية او حتى نقابية حقيقية..

لا ألتمس عذرا للناس. ولكن منابر الفكر النافذ في مجتمعنا ما تزال: تقرط الفحم وتنفث النار..

هل تعلمون ما هي منابر الفكر النافذ في مجتمعنا، يخطئ من يظن انها مؤسسات الاعلام وحدها فقط..

أنا ما أحببت ان أتدخل في الشأن التركي، وكل مقاربتي عن الواقع السوري والشكر الجزيل للاخ ابو عمر..

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 1028