هواري بومدين وصورة الأمير عبد القادر
مقدّمة القارىء المتتبّع:
قرأت العام الماضي أنّ الرئيس هواري بومدين رحمة الله عليه كان يضع في مكتبه، وأثناء الثّورة الجزائرية، حين كان بالحدود الجزائرية الغربية صورة الشيخ عبد الحميد بن باديس رحمة الله عليه، وأظهر المعني الصورة. وأثناء الأسبوع الأخير من شهر رمضان رأيت نفس الصورة، ونفس التّعليق ومن شخص آخر يؤكّد بدوره على نفس الخبر.
الأسباب التي جعلت الرئيس هواري بومدين يضع صورة سيّدنا الأمير عبد القادر:
أقول: ماكنت أبدي وجهة نظري لو لم يتكرّر الخبر، والصورة، والتّعليق.
أضيف: المعروف عن الرئيس هواري بومدين أنّه كان يضع صورة سيّدنا الأمير عبد القادررحمة الله ورضوان الله عليه في مكتبه أثناء الثّورة الجزائرية، وبمقرّ قيادة الأركان بالحدود الجزائرية الغربية.
سبق للرئيس هواري بومدين أنّ اتّخذ قرار إعادة رفاة سيّدنا الأمير عبد القادر من سورية الحبيبة بمجرّد اعتلائه كرسي حكم الجزائر وفي موكب جنائزي عظيم يليق بالعظام، والكبار.
سبق للرئيس هواري بومدين أن جعل من زيارة قبر سيّدنا الأمير عبد القادر سنّة حميدة يتّبعها في الأعياد الدينية، والوطنية وفرضها على الملوك، والرؤساء، والشخصيات الإقليمية، والدولية حين تزور الجزائر قبل أن تستبدل بزيارة مقام الشهيد بعد وفاته.
المتتبّع لتصرفات الرئيس هواري بومدين يرى بوضوح أنّها نابعة -أو في معظمها- من حبّه لسيّدنا الأمير عبد القادر، واتّخاذه قدوة فيما يجب أن يكون قدوة.
يمكن للأصقاء الكرام أن يضيفوا مظاهر أخرى -لاتحضرني الآن- تندرج في تعظيم الرئيس هواري بومدين لسيّدنا الأمير عبد القادر.
بناء على هذه القراءة الشخصية، فلا عجب أن يضع الرئيس هواري بومدين صورة سيّدنا الأمير عبد القادر في مكتبه مفتخرا، ومعتزّا به.
الأسباب التي جعلت الرئيس هواري بومدين لايضع صورة الشيخ عبد الحميد بن باديس:
في المقابل، لاأرى أنّ الرئيس هواري بومدين وضع صورة الشيخ عبد الحميد بن باديس في مكتبه للاعتبارات التّالية:
لم تكن علاقة الرئيس هواري بومدين -وكلّ قادة الثّورة الجزائرية- حسنة مع الجمعية لموقفها تجاه الثّورة الجزائرية والمتمثّل في رفضها تفجير الثّورة الجزائرية، وتأخّرها عن الانضمام للثّورة الجزائرية حتّى سنة 1956.
رفض الرئيس هواري بومدين قرارات مؤتمر الصومام ويرى أنّها ليست في مستوى عظمة الثّورة الجزائرية، والسّبب في ذلك أنّه تمّ قبول انضمام الجمعية، وفرحات عباس، والشيوعيين، والمصاليين وهؤلاء -في نظره- كانوا من عوامل كبح الثّورة الجزائرية.
كان بومدين من الرّافضين لانضمام الجمعية للثّورة الجزائرية سنة 1956 وقاعدته في ذلك: كلّ من لم يشارك في تفجير الثّورة، وتأخر عنها لايحقّ له الانضمام.
عبان رمضان رحمة الله عليه هو الذي أقحم الجمعية في الثّورة الجزائرية سنة 1956 والسبب في ذلك: حتّى لايستغلّ الاستدمار الفرنسي الجمعية، وفرحات عباس، والمصاليين، والشيوعيين لصالح ضدّ الثّورة الجزائرية. ولم يستشر فرحات عباس قائده كريم بلقاسم رحمة الله عليه، وغضب منه قائده في هذا القرار المتّخذ بشأنه.
لم تكن صورة عبد الحميد بن باديس -يومها- مشهورة، ومنشرة، ومعروفة كما هي عليه اليوم.
بناء على هذه المعطيات الشخصية النّابعة من قراءاتي أرى أنّ بومدين لم يكن يضع صورة الشيخ عبد الحميد بن باديس في مكتبه إنّما كان يضع صورة الأمير عبد القادر في مكتبه.
ماوراء الصورة
المسألة لاتتعلّق بالصورة إنّما تتعلّق بما وراء الصورة، وتوظيفها في غير ماوضعت له، وهذا هو الذي دفع صاحب الأسطر للكتابة عن الموضوع.
للأمانة، لايملك صاحب الأسطر معلومة قاطعة يؤكّد، أو ينفي عبرها فيما ذهب إليه، إنّما هي قراءات شخصية اعتمد عليها وقد يصيب فيها أو يخطئ، ولا يدّعي القطع والجزم. ومن يملك معلومة قاطعة فليعرضها، وسيسحب -حينئذ- حديثه ويعتذر لأصحاب الصورة.
ليس من مقاصد المقال التطرّق لموضوع هل شاركت الجمعية في الثّورة الجزائرية أم تأخّرت لغاية سنة 1956؟ فلا داعي للخوض في هذه النقطة.
وسوم: العدد 1029