جريمة تاريخية جديدة
د. هاني العقاد
الضفة الغربية ...القدس ..النقب... وأخيرا الجليل مناطق استهداف حكومة إسرائيل وخطة عمل حكومة التهويد لتحويل إسرائيل لدولة ذات ديانة واحدة وقومية واحدة ,فقد بدأ هذا المسلسل العنصري في القدس وطال كل صغيرة و كبيرة تنتمي للقومية العربية والديانة الإسلامية وحتى الديانة المسيحية لم تسلم أيضا, حارات القدس ,وبيوتها ,دكاكينها ,عتباتها ,أسواقها القديمة ,أحيائها ,قراها و كل ما ينطق بالعربية و ذات ملامح عربية أو حتى شرقية اللون والعيون أصبح هدفا للتهويد وليس الاستيطان فقط لان الاستيطان هو مخطط وجود أمنى اسرائيلى في أراض الفلسطينيين بهدف إعاقة تطوره واستغلالهم لأرضهم وهو المرحلة الأولى للتهويد وإحداث تغير ديموغرافي جغرافي تاريخي كامل يقضي بتمكين اليهود عبر استجلابهم من مناطق مكتظة بمدن إسرائيل بالإضافة للمهاجرين الجدد ليسكنوا هذه المناطق التي تهويدها إسرائيل بعد تغير أسمائها العربية وتغير شوارعها وملامحها الشرقية وإنشاء مدن مملوءة بمساكن على الطراز اليهودي الفاخر لإغرائهم للانتقال إلى هناك والجديد أن هذا التهويد انتقل اليوم إلى النقب من خلال مخطط تهويدي يدعى "برافر" والحقيقة أنها " نكبة برافر" لأنها من اخطر نكبات القرن الحادي والعشرين والذي يعتبره الكثيرين القرن الذي سيتحقق فيه السلام بالمنطقة العربية ويستقر معها الشرق الأوسط ,لكن لا يبدو كذلك فإسرائيل ماضية في ارتكاب الجرائم التاريخية من خلال التهجير والتدمير والتهويد , و يبدو من هذا السلوك أن إسرائيل تحاول بنفس الزمن الإجهاز على التواجد العربي الفلسطيني في تلك المناطق التي تعتبرها أراضي ضمن حدود معينة رسمتها مسبقا للدولة اليهودية وهذا لجعل الدولة اليهودية أمرا واقعا تتحول معه إسرائيل لدولة ذات قومية و ديانة واحدة من طرف واحد ورغم انف العالم الحر .
من خلال مخطط التهويد الخطير "برافر" تثبت إسرائيل ادعائها للديمقراطية وتثبت أنها كيان عنصري بامتياز كيان لا يعترف بالديمقراطية وينكر الحقوق التاريخية لشعب يتواجد ويعيش منذ التاريخ في امن وسلام على أرضه وبذلك تنكر وتتنكر لكافة القوانين الدولية والإنسانية الداعية لاحترام حق الأغلبية في العيش والحماية والحقوق التاريخية للقوميات العربية وأبناء الديانة الإسلامية ؟ وإسرائيل بعملها هذا لا تخجل ولا تستحي من العالم الحر لفعلتها هذه التي تعتبر جريمة تاريخية جديدة بعد جريمة ترحيل وتهجير الفلسطينيين عام 1948 من أراضيهم ومدنهم وقراهم , وتثبت أنها كيان لا يرغب بالعيش في امن وسلام واستقرار , كيان لا يكترث بأي قوانين إنسانية أو شرعية وإنما يكترث بقوانينه العنصرية الوحيدة التي تبقيه كيانا عنصريا ,مستوطنا , مزورا للتاريخ , سارقا ,ناهبا لأراض الفلسطينيين التي ملكوها عن أجدادهم وأقرتها كل هيئات الأراضي على مدار التاريخ الفلسطيني .
الجليل بمدنه وقراه وتجمعاته العربية التاريخية العبقة بالفلسطنة اليوم هدف أخر للجريمة التاريخية الجديدة ولحملة التهويد الخطير الذي تمارسه إسرائيل وهذه الحملة تستهدف كل التجمعات السكانية العربية الإسلامية والمسيحية في الناصرة وعكا وصفد وكفر ياسيف وأبو سنان و تمرة وعرابه ومجد الكروم و يركا وسخنين , كل هذا على مرحلتين الأولى تكثيف تواجد اليهود في هذه المناطق عبر زيادة نسبة سكانها وانتزاع أراضي لصالح بناء أحياء يهودية تزحف تدريجيا على الأحياء العربية الإسلامية والثاني التضييق التدريجي على العرب والمسلمين المسيحيين والشراكسة وحتى الدروز بكل السبل والطرق اليهودية والاستعمارية المتبعة للرحيل , وهذا المخطط يعتبر مائة ضعف اكبر من "برافر" الذي يستهدف تشتيت و تمزيق التواجد العربي الإسلامي الفلسطيني في النقب, ويشمل الحديث عن إقامة مدينتين في الجليل، بالإضافة إلى توسيع التنظيم الهيكلي للتجمعات اليهودية خاصة في منطقة "سهل البطوف" والمدن الأخرى بإشراف ما يسمي "قسم الاستيطان "في الهستدروت الإسرائيلي والذي يتولى تنفيذ مشروع "برافر" في النقب الآن , ويعكف قسم الاستيطان في المرحلة الأولى على إقامة وحدات سكنية مستقلة في الجليل لاستيعاب 100000 يهودي يتم نقلهم من مناطق مختلف للعيش بالجليل وفي المراحل الأخرى زيادة و تضعيف هذه الأرقام , وبهذا فان التغير الديموغرافي يكون قد بدا بالفعل لان العرب الفلسطينيين يمثلوا أكثر من نصف سكان الجليل بقليل وباستجلاب هذا الرقم وأرقام أخري يصبح العرب اقليه ويتناقص عددهم تدريجا بفعل الترحيل والضرائب والمضايقات الحكومية المختلفة.
لقد أصبح واضحا ما تقوم به إسرائيل من عمل عنصري لا يحتاج لتوضيحات أكثر ,ولقد أصبح واضحا أن حملة التهويد الخطيرة التي تشنها حكومة التطرف الصهيونية ما هي إلا جريمة تاريخية جديدة ترتكبها إسرائيل ,و ما على العالم إلا أن ينتظر مأساة إنسانية جديدة تكبر مع الأيام وتكبر مع المخططات الصهيونية دون مواجهة إعلامية كبيرة لان التهجير والتهويد سيكون تدريجي وغير واضح التفاصيل لا يعتبر حالة تهجير جماعي وإنما حالات صغيرة تندرج ضمن الهجرة الطبيعية و الاضطرارية للعرب من مدنهم وقراهم وهذا أسلوب إسرائيل الحديث في التهجير والتهويد , ويبدو كأنه عقد بين إسرائيل والعالم بأن تتم حركة التهويد دون ضجة كبيرة وإحراج لمؤسسات السلم والأمن العالمي المزعوم .