علمني اللغة الصينية.. من اللغة الأم

رضا سالم الصامت

تدخل العلاقات التونسية الصينية مرحلة جديدة بعد ثورة تونس 14 يناير 2011 حيث أنهت نظام الرئيس بن علي ، و تطورت العلاقات الثنائية بين تونس و الصين منذ تأسيس العلاقات الدبلوماسية عام 1964 عندما استقبل الزعيم الحبيب بورقيبة رئيس مجلس الدولة الصيني الراحل شوان لاي  ، فأخذ التعاون التونسي الصيني  وجوها متعددة ثقافيا و تعليميا و تكنولوجيا و شبابيا و سياحيا و صار التواصل الشعبي بين الجانبين أكثر كثافة  

المثل الصيني المعروف يقول : لا تعطيني سمكة ، و لكن علمني كيف أصطاد ، و نحن في فصل كونفوشيوس بصفاقس نقول : علمني اللغة الصينية .... فذاك شعارنا ... تعلم الصينية من اللغة الأم  .

إنّ اللغة الصينية في الحقيقة متكوّنة من عدّة لهجات مختلفة قليلا تشترك في نفس التركيب والقواعد بالإضافة إلى جزء جيد لنفس المفردات، مقارنة يمكن أن تقام بين الصينيين كلغة عامّة ومجموعة لغات رومانية، و ما تزال، اللهجات الصينية أقرب أكثر بكثير إلى أحدهما الآخر من أقسام اللغات الرومانية ، فمتكلّم فرنسي على سبيل المثال لا يستطيع أن يفهم معظم ما يقوله إيطالي بدون دراسة صحيحة من اللغة الإيطالية مسبقا , المتكلّم الصيني "يو" سيكون عنده وقت أسهل  يتكلّم به مع متحدث * مندرين

   

وبالكلام عن اللهجات، الصينيون عندهم حول 6-12 لهجات معيّنة، إعتماد على كيف تحسبهم (وإذا تحسب اللهجات الثانوية أيضا). الثلاثة الأكثر شعبية على أية حال، بلا شك "مندرين" (الذي يشمله حول 800 مليون متكلم)، "يو" (حول 90 مليون متكلم) وكانتوني (80-90 مليون متكلم). لأن مندرين يسيطر على كمية المتكلمين الصينيين بمثل هذا العدد الكبير هو في أغلب الأحيان يشار إلى اللهجة كأنها اللغة نفسها

   للعالم الغربي فان تعلّم الصينية، فيها إختلافات صغيرة بين اللغات الغربية، يشتركون تقريبا في نفس القواعد وعلم الأصوات وبنية الجمل بالإضافة إلى نفس الأبجدية. مع الصينيين، كلّ شيء تقريبا نعرفه منفجر في الهواء وهو صعب جدا لنا لنفكر بطريقة أخرى غير ما نحن متعودون عليه. إذا أخذت على نفسك لتعلّم فصول الصينية، الخطوة الأولى ستكون بتزويد نفسك بكلّ هذه الإختلافات قبل البدء بإستظهار الكلمات، تحسين المفردات أو تعلّم الأبجدية 

   أكثر دروس “تعلم الصينية” تقريبا كلّ المصادر التربوية المنظّمة تبدأ بتعليم اللغة إلى الطلاب الغربيين بترجمة الإيديوغرام الصيني إلى أبجدية رومانية بإستعمال نظام "بينين". بعد إتقان هذه الخطوة عملية التعلّم ستأخذ من السهل إلى الصعب، المعنى الفصول الأولى ستحتوي قواعد اللغة الصينية (التي هي أسهل للفهم وأقل تعقيداً من بعض اللغات الغربية)، يمرّ بالتلفظ (التي هي مشكلة في باديء الأمر لكن يمكن أن تتقن بعد فترة)، بعد ذلك تحسين المفردات باستخدام نصوص من أجل تذكر الكلمات, لعبة المفردات, أشرطة سمعية ينهي مع تركيز كامل على الحروف والأرقام الصينية

   ومع التقدم المذهل الذي حققته الصين ، فقد أصبحت ظاهرة إنتشار اللغة الصينية ودراستها واقعاً ملموساً في العالم أجمع . وفي الوقت الحالي شهدت أعداد طلاب قسم اللغة الصينية مئات الخريجين كل عام ، والذين يعملون علي تلبية إحتياجات سوق العمل في مختلف أوجه التعاون العربي الصيني في مجالات التجارة والإقتصاد والإستثمار والسياحة والخارجية والإعلام وغيرها من المجالات التي تتطلب متحدثي اللغة الصينية في الوطن العربي

   

   ويعتبر معاهد الكنفوشيوسية لتعلم اللغة الصينية منبراً هاماً يعمل علي تقديم صورة كاملة للصين وحضارتها وثقافتها ولغتها وأدبها . و يساهم في التعريف بحضارة وثقافة الشعب الصيني الصديق

   

   أما فيما يتعلق بأعضاء هيئة التدريس بقسم اللغة الصينية ، فيوجد بالقسم نخبة رفيعة المستوي من المدرسين و الأساتذة العرب و الصينين والذين يزيد عددهم عن ثلاثين عضو هيئة تدريس ، ومن بينهم ثلاثة أعضاء حصلوا علي درجة الدكتوراة من الجامعات الصينية . بالإضافة إلي معاوني أعضاء هيئة التدريس . وقد توفر لجميع أعضاء هيئة التدريس بالقسم فرصة السفر والدراسة بالجامعات الصينية . وحتي اليوم تتاح الفرص للأساتذة للسفر والمشاركة في المؤتمرات والأنشطة العلمية المختلفة التي تقام في الصين . وقد كان للسادة أعضاء هيئة التدريس بالقسم الدور الكبير في إفتتاح أقسام اللغة الصينية في بلدان عربية شقيقة و منها تونس في وضع المناهج والقيام بالتدريس  ويستقبل فصل كونفوشيوس قسم اللغة الصينية بصفاقس مدرسي اللغة الصينية  يعمل علي معاونة زملائه التونسيين في التدريس لطلاب القسم حتي تتاح فرص أكبر لطلاب القسم لمعايشة اللغة مع أهلها

   

   و يشارك الطلاب في جميع المناظرات والمسابقات والأنشطة التي تنظمها الجهات الصينية في الصين وفي البلاد العربية لمتحدثي ودارسي اللغة الصينية من الأجانب . وحصل القسم خلال مشاركاته في تلك الأنشطة علي مستويات متقدمة. ويداوم القسم علي ترشيح أعضاء هيئة التدريس ومعاونيهم و الطلاب للمشاركة في جميع الأنشطة المتعلقة باللغة الصينية.

  إن اللغة الصينية لغة ينطقها أكثر من مليار و 300 مليون نسمة و معنى ذلك أنها انتشرت في عديد البلدان في العالم و سياسة الصين حاليا بتفتحها على العالم الخارجي تقوم بتعميم  دراسة هذه اللغة في كل البلدان لزيادة نشر الثقافة و الحضارة الصينية و التعريف بها 

هي لغة قديمة حروفها رموز يعتقد الكثيرون أنها معقدة في حين أن لغة قومية الهان و هي أكبر قومية في الصين لها أهمية فمنذ تبني الصين سياسة الإصلاح والانفتاح على الخارج ، و اللغة الصينية تزداد تطورا و شعبية و تجد إقبالا كبيرا من الطلاب الأجانب و بما فيهم العرب فافتتحت معاهد و مدارس الكنفوشيوسية في عدة بلدان عربية و افريقية وتأسست عديد المعاهد و الفصول  في مصر والأردن و لبنان والمغرب و في تونس و تحديدا بمدينة صفاقس تم بعث فصل دراسي كنفوشيوسي cri لتعلم اللغة الصينية حيث تم إزاحة الستار من على اللوحة إيذانا بانطلاق الدروس  في ديسمبر 2009 

  

إن تزايد إقبال الطلاب على تعلم اللغة الصينية " البوتنخوا" أو الهان يي ، شيء رائع  جدا ، و الأروع  من كل ذلك أن الدارسون التونسيون يطمحون  إلى البحث عن فرص جديدة للدراسة والعمل داخل وخارج تونس. وأفادت مصادر تعليمية بفصل كونفوشيوس الدراسي  بمدينة صفاقس  أن عدد الطلاب  الذين يلتحقون سنويا لدراسة اللغة الصينية في ارتفاع مستمر، حيث بلغ عدد  الطلبة الدارسين، أزيد من 75 طالب و طالبة مسجلين بالفصل مما اضطر مجلس إدارة الفصل إلى تكوين مجموعات  تضم كل مجموعة حوالي  16 إلى 20 طالب و طالبة  يواظبون على تعلم هذه اللغة

  

 الجدير بالذكر  ان «معهد كونفوشيوس» لتعليم اللغة الصينية في بكين "هان بان " يولي أهمية قسوى لنشر اللغة الصينية و تعميمها في كل البلدان و خاصة في إفريقيا و الدول العربية و من ضمنها تونس  و الهدف من ذلك  منح فرص للذين  يريدون معرفة الصين واللغة الصينية

إن مستوى الطلاب التونسيون جيدا ، وهناك من الطلبة من تحسن مستواهم، وهذا دليل على حبهم للغة الصينية . ومن أفضل المتحدثين باللغة الشاب " قيس" الذي عندما سألته  بعبارات صينية  لم يجد أي صعوبة في الرد علي و بنطق صحيح للغة ، سألته : ني هاو   فأجابني ني هاو    و سألته كيف حالك ني شنتي هاو ما  فأجابني  : أنا بخير و أنت وه خن هاو ني نه   ، سألته أيضا لماذا أنت تتعلم الصينية  فأجابني : حبا  في الصين و ثقافتها العريقة  و كذلك هناك  سبب يكمن في انفتاح التونسيين على ثقافات أجنبية أخرى ورغبتهم في تعلم اللغات، و خاصة ثقافة الشعب الصيني  و لغته  الرائعة  .  ودعت صديقي قيس قائلا له بالصينية : شيا شيا ني شكرا لك  ابتسم و رد علي : ين قاي ده بو يونغ شيا

你好 ني هاو

你好 ني هاو

你身体好 ني شنتي هاو ما

我很好你呢 وه خن هاو ، ني نه

谢谢你  شيا شيا ني

应该的不用谢  ين قاي ده بو يونغ شيا

 

 أما المدرسة المتخصصة  الأستاذة  خه مياو  فقد أشادت  بالحب الذي أبداه طلابها للغة الصينية  وقدرتهم السريعة على الفهم و التعلم ، و قالت ايضا أنها سعيدة بهم و معجبة و اني لا اشعر بالغربة و انا بعيدة عن وطني الأم الصين و تونس  تعتبر بلدي الثاني

مدير فصل كونفوشيوس  بصفاقس المدرس من الجانب الصيني  الأستاذ  فهد لي لي  فقد أعرب هو الآخر عن سعادته بقدومه لتونس وتدريس مجموعة من الطلبة الذين أصبحت تجمعه بهم علاقة صداقة متينة يعتز بها، كما يعتز بها الطلبة الذين يدرسون الصينية

و قال السيد لي لي ان تونس بلد جميل و شعبه كريم و طيب  و انه سيعمل بكل ما بوسعه من اجل انجاح هذا الفصل الدراسي متحديا كل الصعاب التي قد تعترض عملنا  و هذا شيء طبيعي 

و عندما سألنا بعض الطلبة  عن ظروف  التدريس فقد عبروا لنا عن رضائهم و قناعتهم بحب التعلم  و رغبتهم الشديدة في الذهاب إلى الصين من أجل البحث عن الدراسة وتغيير أسلوب الحياة، وفي هذا الصدد قال رمزي بن جويرة ، الذي التقيناه على اثر قضاء إجازته في تونس  وهو طالب سابق تابع دراسته في اللغة الصينية منذ سنوات في فصل كونفوشيوس الدراسي بصفاقس و هو الآن مقيم بالإمارات العربية  و يعمل هناك كمدرب لرياضة الووشو :  إنه كان يحلم بزيارة الصين  الذي اعتبرها  «عالم ليس له مثيل» كما قال:  يكفيني  فخرا أن أذكر سور الصين العظيم  و من هنا تتجلى لنا آفاق كبيرة نحن بحاجة لها فان عظمة هذه الأمة  تغني عن كل شيء و أكد لنا أن السبب الأساسي لاختياره  دراسة هذه اللغة هو رغبته  للذهاب إلى الصين و لكن اعتقد اني  نجحت في ذلك بما أني الآن متواجد في الإمارات  و اعمل بها كمدرب في رياضة الووشو الصينية  من أجل لقمة العيش والاستقرار هناك، مع عدد من الزملاء الصينين . و الصديق رمزي هو عضو  بنادي الصداقة التونسية الصينية فرع صفاقس   وهو لا ينكر فضل هذا النادي عليه و يعتقد رمزي أن الحياة في الامارات  لها طعم آخر

ان الطلبة الذين يدرسون اللغة الصينية بفصل كونفوشيوس الدراسي بصفاقس ، يهتمون ايضا  بتنظيم  ورشات  عمل ثقافية و رياضية  وأنشطة تعرف بثقافات الأقليات القومية بالصين  وتسهل عملية التواصل بين محبي هذه الثقافة واللغة الصينية .و التي تحظى   باهتمام عدد من الشباب التونسيين ، الذين  يرغبون في التعرف على الثقافة الصينية 

ويسعى الفصل ، إلى تشجيع وتحفيز مزيد من الطلبة من خلال الأنشطة التي ينظمها فصل كونفوشيوس  التونسي  بالتعاون مع السفارة الصينية لدى تونس و المندوبية الثقافية بمحافظة صفاقس . ويتيح الفصل  فرصة للطلبة المتفوقين في اللغة؛ حيث تجري كل سنة مسابقة ويتم اختيار طالب أو اثنين ممن حصلوا على أعلى المعدلات لزيارة الصين  لفترة ما بين عشرة إلى 15 يوما، ويتخلل هذه الرحلة الاستكشافية برنامج خاص لاستغلال هذه المدة للتعريف بالثقافةالصينية  والاحتكاك بالصينيين  والتعرف على طريقة عيشهم وعاداتهم و تقاليدهم

يعود تاريخ تأسيس فصل كونفوشيوس الدراسي CRI بصفاقس التونسية  الى عام 2009، ويحرص الفصل على تنظيم أنشطة متنوعة للاحتفال بعيد الربيع ومهرجان منتصف الخريف وغيرهما من الأعياد والمناسبات الصينية التقليدية لنشر مضمون الثقافة الصينية التقليدية وأبعادها التاريخية والقومية، بالإضافة إلى تعليم اللغة الصينية. ويقول المدير العام لمركز يونفرسال هاوس السيد رشيد الحمروني باعتباره مدير لهذا الفصل  أن الهدف الذي نصبو إليه هو  تشجيع التعارف والتقارب بين الطلاب في تونس والصين، وذلك من خلال تنظيم الندوات و التظاهرات الثقافية الفكرية و الرياضية ، والتعرف أكثر على الصينيين.أما السيد حمادي الطرابلسي الكاتب العام لنادي الصداقة التونسية الصينية بصفاقس و عضو مجلس الإدارة بفصل كونفوشيوس الدراسي  فقال :  كان فصل كونفوشيوس الدراسي cri لتعليم اللغة الصينية  بمدينة صفاقس و هي ثاني مدينة تونسية  شرع  في تدريس اللغة الصينية  منذ أزيد من خمس سنوات، ومنذ ذلك الحين تزايد عدد الطلاب الذين يخضعون لامتحان أولي، حيث يختبرون معرفتهم للحروف الصينية قبل بدء الفصل الدراسي. ويعتبر معرفة الحروف من الشروط الأساسية التي تمكن الطالب من الالتحاق بفصل اللغة الصينية. و هكذا فان الحلم أصبح واقعا ملموسا و أصبحت اللغة الصينية تدرس في عاصمة الجنوب التونسي صفاقس .  فعلمني اللغة الصينية من اللغة الأم.