للشعوب العربية عبرة في التجربة الديمقراطية التركية الرائدة
تابعت عبر وسائل الإعلام العالمية كل شعوب المعمور يوم أمس العرس الانتخابي الرائع الذي عرفته تركيا ،والذي كان بحق نموذجا انتخابيا وديمقراطيا رائدا وفيه عبرة لنا معشر العرب، ونحن لم تعرف مثله ،ولم نعش قط مثل هذه التجربة مثل رحيل الدول الغربية المحتلة لبلادنا الاحتلال البغيض الذي لم تنته مخلفاته الكارثية في أوطاننا بعد رحيله ،وعلى رأسها الاستبداد السياسي الذي تلقفه حكامنا عن هذا الاحتلال بإيعاز وتشجيع وإقرار منه للمحافظة على مصالحه التي كانت وراء احتلاله لأقطارنا مددا زمنية أتت على كل مقدراتنا وثرواتنا ،ومع ذلك استمر جشعه وطمعه في البقية الباقية منها ، هو ما جعله يكره لنا الديمقراطية الحقيقية ، ويرضى لنا نماذج من الديمقراطيات الصورية أو الديمقراطيات المسخ التي لا تعدو مسرحيات هزلية تكون نتائجها مثيرة للسخرية بنسب دون المائة في المائة بدرجة أو بدرجتين ، ومع ذلك يرافقها التهليل الإعلامي والتزكية المزورة .
ولقد ضرب لنا الأتراك مثلا رائعا في خوضهم تجربة انتخابية وديمقراطية رائدة ،ليس فقط في وطننا العربي بل حتى في بلاد الغرب التي تتحكم في انتخاباتها لوبيات المال والأعمال بالرغم من تبجحها بالشفافية والنزاهة .
فأين التجارب الانتخابية في أوطاننا العربية من التجربة التركية إذا ما قورنت هذه الأخيرة بتلك ؟
ولنبدأ أولا بالقطر السوري الذي عاد مؤخرا طاغيته إلى حظيرة جامعة الدول العربية مرحبا به، ويداه ملطختان بدماء شعبه الذي لم يزد مطلبه إبان ثورات الربيع العربي عن قسط ضئيل من الحرية تحت ظل حكمه البغيض إلا أنه وهو فزع مما حدث في تونس ومصر واليمن، كشر على أنياب الإجرام، فأهل العباد ودمر البلاد ، ومع ذلك سخر من نفسه أولا ،ومن شعبه بمهزلة انتخابية كان هو المرشح الوحيد فيها ، وفاز على نفسه بما دون المائة بالمائة بدرجة أو بدرجتين.
وأين المسرحية الانتخابية الهزلية في مصر من التجربة التركية، وقد انقلب فيها متزعم اتقلاب دموي فظيع على أول تجربة انتخابية ديمقراطية فتية ثم سخر من شعبه بتجربة اانتخابية مسخ ، ومع ذلك زكاه العالم الغربي الذي ينصب نفسه وصيا على الديمقراطية في العالم ، وسكت على استبداده وطغيانه ؟؟؟
وأين المسرحية الانتخابية الساخرة في الجزائر من التجربة التركية حيث ظل الشعب الجزائري يقف في الساحات والشوارع كل جمعة ما يزيد عن حول كامل يطالب بديمقراطية كديمقراطية الشعب التركي ، فطبخ له العسكر المستبد مسخا انتخابيا سكت عنه أيضا العالم الغربي، وزكاه حرصا على مصالحه ، وطمعا في مقدرات وثروات الجزائر من النفط والغاز وغيرهما ؟
وأين المسرحية الانتخابية المريبة في تونس من التجربة التركية، وقد استغل رئيسها ثقة الشعب فيه ،و ظن به خيرا إلا أنه سقط قناعه وكشف عن أنياب ديكتاتوريته بسلوكه النهج الديكتاتوري، وانقلابه على الديمقراطية والشرعية ليعيد من جديد الصورة البشعة للديكتاتورية التي ابتلي بها الشعب التونسي لعقود، والذي ظن أنه قد ودعها إلى الأبد بعد ثورة ربيعه . ولقد سكت الغرب عن استبداده أيضا ؟
وأين المسرحية الانتخابية الكارثية في العراق من التجربة التركية ، وقد اختلط فيها الحابل بالنابل والدارع بالحاسر وساد الصراع الطائفي الذي هو أكبر مفسد للديمقراطية حين يسود الأقطار؟
أما دول البترول في الشرق الأوسط، والتي قضت مضاجعها ثورات الربيع العربي، واعتبرتها نذير شؤم بالنسبة لها لما أفرزته من سقوط لأنظمة شمولية ، وظهور لتجارب نماذج الديمقراطيات الفتية، فقد رصدت أموالها لإفشالها منعا لعدوى انتشارها في أقطارها أولا، وفي كل أقطار الوطن العربي ثانيا حتى لا يحصل فيها ما حصل في تركيا .
وأما الدول العربية التي لم تبارح وضعها المضطرب بسبب سقوط أنظمتها المستبدة ، وحوّرت ثورات ربيعها بفعل فاعلين إلى حروب أهلية كاليمن، وليبيا ،والسودان، فلا أمل لحد الساعة في مجرد بصيص أمل للتفكير في وضع حد للصراعات الدامية الدائرة فيها بسبب الصراع على السلطة ، وقد طال أمدها ،الشيء الذي يجعل حصول مثل التجربة التركية فيها من المستحيلات مع الغول والعنقاء ...
ولقد مر يوم أمس على الشعوب العربية ،وهي تتابع التجربة الانتخابية الديمقراطية التركية عن كثب ، وتحلم كما كانت تحلم دائما منذ رحيل المحتل الغربي عنها بلحظة سعادة كسعادة الشعب التركي ، فهل سيتحقق حلمها في يوم من الأيام؟؟؟
وسوم: العدد 1034