أسيادنا الصّدّيق، وأمّنا عائشة، وعلي بن أبي طالب، وفاطمة الزّهراء بين المغارم والمغانم
تأملت الأيّام الأخيرة لسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم فوقفت عند النّقاط التّالية، راجيا السّداد والتّوفيق، وهي:
إمامة سيّدنا الصّدّيق:
خرج سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم من بيته وهو يحمل نفسه بصعوبة من شدّة المرض، ودخل المسجد ليصلي، وليقرّ سيّدنا الصّدّيق على أن يواصل صلاته كإمام بإمام المسلمين سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وإماما للمسلمين.
اطمأنّ سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم وهو في اللّحظات الأخيرة من حياته على المسلمين ماداموا يقيمون الصلاة، وخلف إمام واحد، ومجتمعين في بيت من بيوت الرحمن، وبأنّ المسلمين أعزّاء، وأقوياء، وأمناء مادام يحكمهم إمام مثل سيّدنا الصّدّيق في أمانته، ووفائه، وقوّته، وإيمانه، وصلابته.
ظلّ سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم وفيا لصديق الصبا، وحبيب العمر، ومصدّقه حين كذّبه النّاس، وثاني اثنين إذ هما في الغار. فتجسّد الوفاء في أن كلّف سيّدنا الصّدّيق بإمامة إمام المسلمين سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وبإمامة المسلمين في حياته. وهذا من أعظم الوفاء.
فضل سيّدتنا أمّنا عائشة:
لقي سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم ربّه وهو في بيت سيّدتنا البكر، والفقيهة، والمجتهدة، والطّاهرة، والنّقية، والصّدّيقة بنت الصّدّيق أمّنا عائشة، زوج سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم. وفضّلها على نسائه أجمعين حين اختار الالتحاق بالرّفيق الأعلي وهو في بيتها، وفي حجرها.
وظلّ سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم وفيا لزوجه سيّدتنا أمّنا الصّدّيقة بنت الصّدّيق، حين اختار أن يلتحق بالرّفيق الأعلى وهو في بيتها، وفي حجرها. مايدلّ على عظمة سيّدتنا أمّنا عائشة أم المؤمنين، ومكانة، وعظمة المرأة.
فضل أسيادنا آل الصّدّيق، وعظمة الصلاة:
اختار سيّدنا الصّديق لإمامة المسلمين وهو في أيّامه الأخيرة، واختار زوجه سيّدتنا الصّدّيقة بنت الصّدّيق ليلتحق بالرّفيق الأعلى. مايدل على عظمة، ومكانة آل سيّدنا الصّدّيق رحمة الله ورضوان الله عليهم جميعا.
تقوم الأمّة على رجل عظيم يقوم بشؤون المسلمين الدينية، والدنيوية كسيّدنا الصّديق، وامرأة عظيمة طاهرة نقية كسيّدتنا أمّنا الصّدّيقة بنت الصّدّيق.
إنّ الله تعالى أمرنا أن نصبر على الصلاة، بل نبالغ في الصّبر عليها. وأمرنا أن نصبر على المرأة لفطرة فطرت عليها. ولذلك تكفّل سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم بنفسه ليحضر الصلاة مأموما وهو يعاني المرض، ويكلّفه إماما للمسلمين. ويحرص على أن يلقى ربّه وهو في حجر سيّدتنا النّقية الطّاهرة أمّنا عائشة الصّدّيقة بنت الصّدّيق.
من حافظ على الصلاة ووحدة المسلمين، واحترم المرأة وقدّرها حقّ قدرها فقد نال القوّة، والعظمة، والحضارة من أوسع أبوابها.
لماذا لم يتم اختيار سيّدنا علي بن أبي طالب وسيّدتنا فاطمة الزّهراء؟:
لماذا سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم لم يطلب من سيّدنا علي بن أبي طالب، -ولا غيره من آل البيت- أن يكون إماما للمسلمين في أواخر حياته كما فعل مع سيّدنا الصّدّيق حين طلب منه أن يصلي به إماما في حياته الشريفة، وإماما بالمسلمين وهو حيّ يرزق، وقبل أن يلتحق بالرّفيق الأعلى؟.
لماذا سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم لم يختر بيت سيّدتنا فاطمة الزّهراء، وقرّة عينه ليلتحق بالرّفيق الأعلى، كما فعل مع سيّدتنا البكر، والفقيهة، والمجتهدة، والطّاهرة، والصّدّيقة بنت الصّدّيق أمّنا عائشة، رحمة الله ورضوان الله عليهم جميعا؟.
الجواب من خلال غزوة بدر:
للإجابة على السؤال، وفهم الغرض من السؤال وجب الرجوع لما جرى في غزوة بدر حين بدأت المبارزة، وتقدّم ثلاثة من أسيادنا الصحابة لمبارزة كفّار قريش، فأخّرهم سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم وقدّم عوضهم ثلاثة من أسيادنا آل البيت للمبارزة والموت، وهم: علي بن أبي طالب، وحمزة بن عبد المطلب، وعبيدة بن الحارث. والسؤال: لماذا؟.
والجواب: لأنّ سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم كان يؤخّر أسيادنا آل البيت في المغانم، ويقدّمهم في المغارم. ولا عجب أن حرّم على أسيادنا آل البيت الصدقة لأنّها من المغانم التي حرّمت عليهم.
عظمة أسيادنا آل البيت في المغارم وليس المغانم:
وطبقا لهذه السنة النبوية الجليلة لم يأمر سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم سيّدنا علي بن أبي طالب أن يصلي إماما بالمسلمين في حياته، ولم يطلب من ابنته وقرّة عينيه سيّدتنا فاطمة الزّهراء أن يلتحق بالرّفيق الأعلى في بيتها، وفوق حجرها كما فعل مع سيّدنا الصّدّيقة بنت الصّدّيق أمّنا عائشة.
ويكمن السّبب في كون إمامة سيّدنا علي بن أبي طالب للمسلمين من المغانم، والالتحاق بالرّفيق الأعلى في بيت ابنته سيّدتنا فاطمة الزّهراء من المغانم، وسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم يؤخّر أسيادنا آل البيت في المغانم، ويقدّمهم في المغارم.
كلّ واحد ينال الشّرف من جهته، وممّا يليه:
أضيف: كأنّي بسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول لأسيادنا علي بن أبي طالب، وفاطمة الزّهراء، وآل البيت رضوان الله عليهم جميعا: يكفيكم شرفا أنّكم من آل بيتي، وكلّ شرف هو تابع لشرف آل البيت، فلا تنافسوا غيركم فيما لايملكون وتملكون.
سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم أعظم وأجلّ من أن يمنح أسيادنا آل البيت كلّ شيء ويحرم أسيادنا الصحابة، وأمّهات المؤمنين، والعالمين كلّ شيء، وهو الرحمة المهداة للعالمين جميعا.
بسط سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم الشرف والمكانة على أصحابه، وزوجاته، وذريته، وآل بيته فنال كلّ واحد منهم الشرف، والمكانة من الجهة التي تليه، كما فعل أثناء بناء الكعبة مع سادة قريش حين طلب من كلّ واحد منهم أن يمسك الإزار الذي يحمل الحجر الأسود ممّا يليه، وهو يومها شاب في الخامسة والعشرين من عمره.
ليرضى كلّ واحد بالشرف الذي منح إيّاه، وليعترف كلّ بشرف الآخر الذي منح إيّاه، وليتعاون الجميع على مايعزّز، ويقوّي، ويجمع الأمّة.
وسوم: العدد 1034