وفي سيرة الابتهاجات
يقول الله تبارك وتعالى : ( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) 39 / فصلت . وفي آية أخرى في سورة الحج قوله تعالى : ( وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج ) الحج .
الأرض خاشعة : أي جافة متصحرة ليس فيها أشجار وارفة ،ولا أزهار متفتحة تبعث البهجة في نفوس الناس ، وأما قوله تعالى هامدة أي أنها كذلك جافة وقد مات نباتها وزالت بهجتها فلم تعد لها القيمة التي تكون عليها الأرض الملأى بالبساتين والرياحين وأنواع الورود والثمار ... وإحياء هذه الأرض الخاشعة الهامدة بعد موتها ، حيثُ تحيا من جديد بمشيئة الله إذا أنزل عليها الماء فإنها تهتز : واهتزازالأرض بعد نزول الأمطار عليها يعني ــ كما جاء في بعض التفاسير هـو : ( التحرك إلى أعلى ، فاهتزاز الأرض تمثيل لحال ارتفاع ترابها بالماء ، وحال ارتفاع وجهها بما عليه من العشب بحال الذي يهتز ويتحرك إلى أعلى ) وقوله سبحانه وَرَبَتْ أي : انتفخت الأرض جراء تَفَتُّقِ النباتِ والشجر عليها . وقوله سبحانه : وأنبتت من كل زوج بهيج أي نما الزرع من شجر وغيره من أنواع المزروعات بجذعه وساقه وأغصانه وزهره وثماره ، فكان فيه الخير والأفياء ، وبات منظرها مبهجا للنفس الإنسانية ، والبهيج الحسن المنظر ... يهب الإنسان حالا من السعادة النفسية ، وجاء هذا المعنى في آيات عديدة كقوله تعالى : (ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون ) وقوله عزَّ وجلَّ : ( ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح ... ) . ولقد جاءت هذه الآيات البينات دالة على قدرة الله سبحانه وتعالى على إحياء الناس يوم القيامة بعد أن فنيت أجسامهم وأصبحت عظاما نخرة وترابا اختلط بتراب الأرض ،وتلك من آياته الدالة على قدرته ، وأن الملك لله وحده يفعل مايشاء ويحكم مايريد . ولنا أن نرى آثار البهجة أيضا بما تحمل من السعادة والفرح الغامر في أمثلة كثيرة لدى عامة الناس ، وبمختلف أحوالهم في حياتهم الدنيا .
تلكم البهجة التي تحمل للنفس البشرية السعادة والفرح تكون لجميع الخَلق ، وفي مناسبات متنوعة ، وقد تكون لفرد بمناسبة نجاحه ونيله الشهادة العالية ، ولأسرته ومحبيه بتلك المناسبة . وقد تكون لفريق رياضي فاز بالبطولة ، وقد تكون لشعب كامل فاز رئيسه بانتخابات عامة . وبمقابل تلك البهجة تأتي الحسرة والندامة لفرد لم ينجح ولم ينل مايصبو إليه ، وتكتنف هذه الحسرة والأسى أسرته ومحبيه ، وتغشى الحسرة والأسى الفريق الرياضي الذي خسر المباريات ، ورجع خائبا يجر ذي الهزيمة ،كما تكتنف الحسرة والأسى جانب المعاضة التي خسرت نتيجة الانتخابات ... ومما لاشك فيه أن جميع الناس يمرون بإحدى هاتين الحالتين ، ولعل كلا من هاتين الحالتين لها أسبابها وعواملهما ، وبالتالي تكون البهجة الحقيقية نعمة من نعم الله على عباده ، وتكون النقمة والحسرة والندامة جزاءً لَمَن استحق هذه النتيجة . وتبقى هذه البهجة وما تحمله من سعادة وفرح ، وهذه النقمة بما تحمل من حسرة وأسى في حدود الحياة الدنيا الزائلة . وتبقى العواقب والأسباب لهذين النقيضين مكتوبة في صحف الغيب ، وحيث تنشر يوم القيامة ، فإما إلى جنة وإما إلى نار ، وفي كليهما الخلودُ الأبدي .
وهنا تُطوى الصحف ، وتجف الأقلام ، ويتجلى الحق لاريب فيه ، ولا يظلم ربُّك أحدا . بل وتنتهي سيرة الابتهاجات الدنيوية مهما كانت ، ولنقف على الابتهاجة التي تختم جميع الابتهاجات الدنيوية والأخروية ، ونسأل الله أن نكون وأهل الإيمان بالله وبأركان الإسلام وبأركان الإيمان من أهل تلك الابتهاجة الخاتمة . حيث يدخل أهلُ الجنةِ الجنَّةَ برحمة من الله ورضوان ، ويدخل أهلُ النارِ النارَ بعدله سبحانه وتعالى . فأهل الجنة فازوا وأهل النار خسروا . ولأهل الجنة خلود فيهـا وفي نعيمها فلا موت ، ولأهل النار شقاء وعذاب وخلود فيها فلا موت .
ألا ولنأت إلى الابتهاجة التي تختم جميع الابتهاجات المفرحة للمؤمنين الفائزين من أهل الإسلام على مــرِّ العصور ، ومنذ أن خلق الله الخلق وأسكنهم هذه الأرض . يقول اللهُ عز وجل: ( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ) فالحسنى: هي الجنة، والزيادة: هي النظر إلى وجه الله الكريم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إذا دخل أهل الجنة الجنة يقول الله تبارك وتعالى: تريدون شيئاً أزيدكم ؟ فيقولون: ألم تبيض وجوهنا؟ ألم تدخلنا الجنة؟ وتنجنا من النار؟. قال: فيكشف الحجاب، فما أعطوا شيئاً أحب إليهم من النظر إلى ربهم عز وجل" ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: ( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة. ) . حقا إنها نهاية معنى البهجة بكل ماتحمل من معاني السعادة الأبدية ، والفرح الغامر الذي لايمكن أن يوصف . إنها رؤية الله تبارك وتعالى . يقول عــزَّ وجلَّ : (وجوه يومئذ ناضرة، إلى ربها ناظرة) 22/23 /القيامة وَحَدِيثُ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: ( جَنَّتَانِ مِنْ فِضَّةٍ، آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا، وَجَنَّتَانِ مِنْ ذَهَبٍ، آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا، وَمَا بَيْنَ الْقَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَرَوْا رَبَّهُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَّا رِدَاءُ الْكِبْرِيَاءِ عَلَى وَجْهِهِ فِي جَنَّةِ عَدْن ) . ألا أين محبو ربِّهم سبحانه ؟ وأين السباق إلى جنة الخلد ؟ وأين مَن يخافون الله ويخشونه حق الخشية ؟ ( أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ. أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ ) 16/17/الملك .
إضاءات مبهجة :
عــن جَرِيرِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ الْبَجَلِيِّ، قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ، فَنَظَرَ إِلَى الْقَمَرِ لَيْلَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ، فَقَالَ : ( إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ عِيَانًا، كَمَا تَرَوْنَ هَذَا، لَا تُضَامُّونَ فِي رُؤْيَتِهِ) الْحَدِيثَ فِي الصَّحِيحَيْنِ .
وَحَدِيثُ أَبِي مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: (جَنَّتَانِ مِنْ فِضَّةٍ، آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا، وَجَنَّتَانِ مِنْ ذَهَبٍ، آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا، وَمَا بَيْنَ الْقَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَرَوْا رَبَّهُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَّا رِدَاءُ الْكِبْرِيَاءِ عَلَى وَجْهِهِ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ) . الحديث فِي "الصَّحِيحَيْنِ .
وسوم: العدد 1035